أصل الأسرة وتاريخها
مشاهير وأعلام الأسرة
مخطوطات و مستندات
الخط الزمني لآل الأتاسي
كتب و مراجع ذكرت آل الأتاسي
مساجد ارتبطت بآل الأتاسي
مسجد آل الأتاسي الجديد
أشعار
مجلس الأسرة الأتاسية
مكتبة الصور
شجرة العائلة
مواقع ذكرت آل الأتاسي
أخبار العائلة
منتدى آل الأتاسي
مدينة حمص
مواقع جديرة بالزيارة
مسؤولوا الموقع

شيخ الإسلام ومفتي الأنام بحمص الشام السيد العلامة محمد الأول بن المفتي أحمد بن المفتي محمود الأتاسي

مفتي حمص الخامس من آل الأتاسي

توفي عام 1110 الهجري = 1698م

شيخ الإسلام ومفتي الأنام السيد العلامة محمد أفندي بن أحمد أفندي بن محمود أفندي الأتاسي، مفتي حمص وعالمها، ولد في حمص ودرس على والده قطب العارفين أحمد وعمه الشيخ حسن وغيرهما من علماء حمص، ثم تولى الإفتاء بعد عمه حسن بن محمود، والذي انتقلت إليه الفتوى بعد وفاة أخيه أحمد الثاني، والد المترجم. ولا نعلم تاريخ مولد الشيخ محمد، إلا أنه لا بد أنه كان في النصف الأول من القرن الحادي عشر الهجري (القرن السادس عشر الميلادي)، وحيث أننا لا نعلم تاريخ وفاة الشيخ حسن الأتاسي فإن تاريخ تولي الشيخ محمد الإفتاء في حمص هو مجهول، إلا أنه من المحقق أنه تولاه قبل عام 1100 للهجرة (1688م)، العام الذي تبدأ به يوميات محمد المكي ومحمد الأتاسي هو مفتي حمص، وظل يمارس الفتوى في حمص حتى وافته المنية عام 1110 للهجرة (1698م)، كما يخبرنا محمد المكي في يومياته[1].

كان الشيخ محمد من أعيان حمص ومن المشاركين في سياستها، وكان محل احترام كبير من أهلها، يسعى عنهم من أجل حقوقهم عند الحكام، فيسافر إلى طرابلس الشام وحماة لمقابلة ذوي الشأن فيها، يلازمه في رحلاته هذه أعيان حمص من قضاتها ونقبائها وعلمائها، ومن أبناء عمه من آل الأتاسي. وكثيراً ما يكون غرضهم هو شكوى متسلم حمص الجائر إلى والي طرابلس الشام، وقد يعود هؤلاء فائزين بعزل المتسلم كما حصل عام 1106 للهجرة (1694م) عندما عزل قبلان باشا، والي طرابلس الشام متسلم حمص الدندشي[2] بناءً على طلب المفتي محمد الأتاسي وقاضي المدينة ونقيبها وأشرافها[3]. وفي عام 1102 للهجرة (1690م) رحل الشيخ محمد الأتاسي نقيب الأشراف السيد عبد الرزاق وغيرهم من الأعيان بمرافقة أمين صرة الحج إلى عاصمة الخلافة، إسلامبول، وقابل الصدر الأعظم، مصطفى باشا الكبرلي، ليرفع إليه شؤون الأهالي وشكاويهم، ويخبرنا المكي أن المبعوثين هؤلاء عانوا مشقة كبيرة في طريقهم إلى مقصدهم[4].

ولما كان الشيخ محمد مفتي المدينة، كان منزله محط الشخصيات الحاكمة والعلماء وأعيان المدن الأخرى الذين كانوا كثيراً ما ينزلون عنده في زيارتهم للمدينة أو المرور بها، ومن هؤلاء محمد أفندي ابن عبدالرحمن أفندي خطيب بعلبك الشام الذي أقام عنده في في السابع من شوال عام 1105 للهجرة (1693م)[5]، وكان قد نزل عنده في العام ذاته العارف الكبير والصوفي الشهير عبدالغني ابن اسماعيل النابلسي مفتي دمشق الشام ومن أهم الشخصيات المؤثرة في ذلك العهد من الحكم العثماني. وفي ذلك يقول النابلسي في كتابه "الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز":

"ثم تلقانا صديقنا العالم الفاضل، والهمام الكامل، محمد أفندي الشهير بابن العطّاسي، مفتي السادة الحنفية، يومئذ بالديار الحمصية، فأنزلنا عنده في دار الكرامة، وبيت الفضائل والشهامة، وأكرم مثوانا، وأحسن مأوانا، ثم ذهبنا إلى صلاة العصر بالجماعة في جامع بقرب منزله المعمور، وحصلنا في ذلك إن شاء الله تعالى على كمال الأجور"[6].

وهذا المسجد المذكور هو مسجد الأتاسيين، مسجد دحية الكلبي، بدليل أن النابلسي ذكر بعدها أنه زار قبر دحية الكلبي. وبعد أن زار بعض مزارات حمص عاد المؤلف إلى بيت الأتاسي لتذاكر المسائل العلمية والنظر في معاني بعض آيات من القرآن. ثم يعود فيذكر مضيفه الأتاسي وكرمه ويمدحه بشعره فيقول:

"وهممنا على الذهاب إلى شط نهر العاصي في بستان ثمة مشهور، ونحن في غاية الإبتهاج والسرور، وكان دعانا إليه من نحن في داره ومحله، صاحب الأحوال المأنوسة، فخر العلماء الكرام، مولانا محمد أفندي المفتي بحمص المحروسة، فذهبنا إليه، وحللنا لديه، فإذا هو بستان تركض النسائم الرطبة في ميدان مروجه، وتعبق الأزاهير الغضة بين حدائقه النضرة، فالداخل إليه مرغم في خروجه، فأذكرنا عهد النيربين والربوة الشامية، حتى أنشأنا هناك من النظام المستطاب هذه الأبيات الأدبية، فقلنا في ذلك بمعونة القدير المالك.." ثم يمتدح السيد محمد العطاسي بشيء من شعره، فيقول:

وبستان على العاصي السعيد   بحمص ما عليه من مزيد
نزلنا تحت ظل الدوح منه   فيا لك ثم من ظل مديد
تظل نوافحُ النسمات تهدي   إلينا فيه من طيبٍ حميد
وللعاصي هنالك بّسْطُ كفٍّ   عليه الموجُ كالدرِّ النضيد
يروقُكَ فيه كاللبن المصفّى   زلالُ الماء في عزمٍ شديد
أدام الله دولةَ من دعانا   إليه بنشأةِ العمر السعيد
إمام الفضل محمود السجايا   كريم الأصلِ ذي الرأي السديد
محمد الذي حمص تسامت   به بين الموالي والعبيد
حماه الله من كل البلايا   وكرّمه على أمد الجديد
وساق إليه رونق كل فضلٍ   وبهجةَ كلِّ إنعامٍ جديد

ثم يقول: "ولم نزل جالسين في ذلك المكان، نحن ومن كان معنا من الأصحاب والإخوان، إلى أن صلينا صلاة العصر نحن والجماعة، وحصلنا على كمال الثواب إن شاء الله تعالى بإتمام الطاعة، ثم عدنا إلى منزلنا المعمور، الذي هو بأنواع الخيرات إن شاء الله مغمور"[7].

ويبدوا أن صداقة متينة كانت موجودة بين مفتيي حمص ودمشق هذين، وقد بدأت قبل تلك الزيارة، إذ كان العارف النابلسي يرسل بقصائده من دمشق إلى المفتي الأتاسي[8]، وقد توالى على مدينة حمص مبعوثوا النابلسي وأطباؤه الذين كانوا ينزلون عند المفتي الشيخ محمد الأتاسي.

وقد كان العلامة الشيخ محمد الأتاسي إمام مسجد الدحية وناظر وقفه، وهو المسجد الذي دفن فيه جده الأعلى العلاء الأتاسي وتوالى علماء الأتاسية على إمامته، وقد كان محمد المكي يذكره في مخطوطته على أنه مسجد "المفتي"[9].

ويذكر الشيخ محمد أبو السعود أن الشيخ محمد الأتاسي لم يعقب سوى من البنات، إذ كانت ابنته خديجة الأتاسية متزوجة من متسلم حمص ابراهيم سويدان آغا الحسيني، إلا أن محمد المكي أخبر عن بعض أولاده وأحفاده من الذكور، والأغلب أن هؤلاء قد انقرضوا. وبالإضافة إلى ذلك فإن البطن العطاسي والفروع الثلاثية من آل الأتاسي (السعيدية والمحمدية والأمينية) هم من سلالة ابنته خديجة والتي تزوجت علي الأتاسي، بعد وفاة زوجها الأول، وأنجبت منه ابنه إبراهيم الأتاسي جد هذه الفروع. وقد نوقش هذا في الحديث عن نسب آل الأتاسي.

توفي الشيخ محمد الأتاسي عام 1110 للهجرة (1698م) في حمص، وفيها دفن، ولم تخسر بوفاته تلك المدينة أحد علمائها الأفاضل فحسب، بل وأحد الذين عملوا لخير أهلها ورغد عيشهم، ويتجلى لنا محبة الأهالي له ولخدماته الجليلة في قول محمد المكي يوم وفاته: "توفي شيخ الإسلام، ومفيد الخاص والعام، رحمه الله العلام، محمد أفندي بن أحمد أفندي بن محمود أفندي أتاسي زاده، رحمهم الله رحمة واسعة، وجعل في ذريتهم الخير والبركة إلى يوم القيامة، وفي سائر ذرية المسلمين، آمين آمين آمين، وذلك في نهار الثلاثاء في سبعة وعشرين يوماً خلت من الشهر المذكور أعلاه (محرم عام 1110 للهجرة)"[10]. وقد استجاب الله لدعوة المكي فكان من ذرية ابنة المترجم مفتون وأعلام وعلماء وسياسيون وشعراء لا يحصون، وسيأتي تراجم بعض هؤلاء.