أصل الأسرة وتاريخها
مشاهير وأعلام الأسرة
مخطوطات و مستندات
الخط الزمني لآل الأتاسي
كتب و مراجع ذكرت آل الأتاسي
مساجد ارتبطت بآل الأتاسي
مسجد آل الأتاسي الجديد
أشعار
مجلس الأسرة الأتاسية
مكتبة الصور
شجرة العائلة
مواقع ذكرت آل الأتاسي
أخبار العائلة
منتدى آل الأتاسي
مدينة حمص
مواقع جديرة بالزيارة
مسؤولوا الموقع

معالي الوزير النائب العلامة السيد محمد أبو الفرج فيضي بك بن محمد طاهر بن محمد خالد بن محمد أبي الفتح الأتاسي

متصرف حماة ورئيس بلدية حمص ونائبها في المجلس البرلماني

1317-1402 للهجرة=1899-1982م

علامة جيله من آل الأتاسي ومرجعهم الأول، حتى استفتاه العالم منهم وعليه عوًّل، صاحب مشورة ورأي، يأتي بالكَلِمِ الفصيح دون لأي، أمسك بالخير من أطرافه، وورث المجد عن أسلافه، كان من أساطين اللغة والقلم، وقد أضحى للخطابة أشهر علم، ولما سبر أغوار السياسة، خاض لُجاجها بحكمة وكياسة، فألان شديد عودها، وحظي منها بقمة جُلمودِها، وأمسى مُسيِّرَها ورأسَ عمودِها، فما نالت فِعالُ خصومه من مواقفه وصمودِها، كلما وضع المداد على الورق، إذا بكلامه هو على جباههم كالعرق، لا يثنيه عن ذلك جزع ولا فَرَق. 

نشأته ودراسته:

ولد فيضي الأتاسي عام 1315 للهجرة كما يدل عليه اسمه الكامل بحساب الجمل (أبو الفرج محمد فيضي) و الموافق لعام 1899م في الكرك حيث كان والده قاضيها، فشب في بيت العلم، ثم أرسله والده إلى مدرسة جَلَط سراي في اسطنبول، فالتحق بالقسم الفرنسي، وكان يؤم تلك المدرسة آنذاك أولاد الأعيان والحكام في الدولة العثمانية لرقي العلوم ومدرسيها فيها.  ثم أكمل الأتاسي دراسته الثانوية في مدرسة الأباء البيض في القدس، وبعدها سافر إلى جنيف ليصبح طالب حقوق في جامعتها ولم يتجاوز عمره السادسة عشرة، إلا أن الحرب العالمية الأولى سرعان ما اشتعل وطيسها، فاضطر والده طاهر الأتاسي لأن يستدعيه إلى بلاد الشام، وهناك أكمل دراسته في جامعة دمشق، فأخذ دروسه في الحقوق عن الأستاذ فارس الخوري، كما أنه نال إجازة في العلوم السياسية بالإضافة إلى إجازته في الحقوق.  وحضر الأتاسي مجالس أبيه العلمية الأسبوعية، والتي كان يقصدها علماء بلاد الشام أنذاك لتدارس الأمور الشرعية الفقهية واللغة العربية، فكان نتاج ذلك أن خرج منها بعلم وافر في آداب اللغة العربية الأصيلة وعلوم الشريعة والفتوى.  وبعد أن أتقن الفرنسية والعربية والتركية إتقاناً كاملاً أضاف إليهم اللغة الإنجليزية والتي علم نفسه إياها حتى أجادها[1].

بدايات عمله السياسي:

بدأ الإستعمار الفرنسي بمغادرة الملك فيصل البلاد في 29 تموز 1920م.  وقد أرادت سلطة الإحتلال الفرنسي أن تقسم القطر السوري إلى دول عديدة، مستقلة عن بعضها البعض، بحسب طوائف ساكنيها، باثة بذلك الفرقة في صفوف السوريين وممهدة الطريق إلى انتداب طويل الأمد،  فأقرت حكومات لست دويلات: لبنان الكبير، دويلة دمشق، دويلة حلب، دويلة العلويين، دويلة الدروز، وسنجق الإسكندرونة.  وبدأ الفرنسيون يشيعون في كل دويلة أن سكان الدويلات الأخرى راغبون بالإستقلال بدويلتهم.  وكادت حيلة السلطات هذه تؤدي إلى انقسام مؤبد لو لم يتنبه لها السيد فيضي الأتاسي، فأتى بفكرة انتخاب ممثلين خمسة عن كل دويلة من الثلاث: دمشق، وحلب، والعلويين، يمثلون الشعب، ويشرفون على اقتراع يحدد رغبات المواطنين.  ولم تجد السلطات مفراً من الإذعان إلى هذا المطلب العادل والديمقراطي، فجرى الإنتخاب، وفاز عن دويلة حمص والد فيضي الأتاسي، العلامة طاهر الأتاسي، من ضمن الممثلين الخمسة، وقد استمر انعقاد هذا المجلس التمثيلي من كانون الأول عام 1922 وحتى كانون الثاني عام 1923م.  وتبين أن خيار السوريين على اختلاف طوائفهم كان في اتجاه الوحدة، وبذلك أنقذت فكرة العلامة فيضي الأتاسي سوريا من قسمة محتمة[2]

بدأ فيضي الأتاسي عمله السياسي كمتصرف (محافظ) لحماة في منتصف العشرينيات من هذا القرن وأثناء قيام الثورة السورية عام 1925[3]، وقد كان آل الأتاسي، كما ذكرنا، قد بدأوا يتحولون من مناصب الرئاسة العلمية والدينية (مع احتفاظهم بها حتى السبعينات من القرن العشرين) إلى المناصب السياسية في أواخر العهد العثماني، ففي فترة غير بعيدة كان عمه، الرئيس الجليل هاشم بك الأتاسي، قائمقاماً في مدن عدة، وكان ابن عم والده، عمر بك الأتاسي، زعيماً لحمص ومتسلماً لها، بينما كان أبوه طاهر أفندي الأتاسي مفتيها. 

ولما اندلعت ثورة حماة في أوائل عام 1928م رد الجيش الفرنسي المحتل بقصف المدينة بالمدافع والطائرات، فتقدمت سورية بالشكوى إلى عصبة الأمم في جنيف آنذاك، فما كان من المحتل الفرنسي المنتدب على سورية إلا أن كلف الأستاذ فيضي ليكتب تقريراً ممثلاً الطرف الفرنسي لرفعه لعصبة الأمم، ظناً منه، أي المحتل، أن متصرف حماة الأتاسي، والذي كان من أكثر أبناء البلاد ثقافة ومعرفة باللغة الفرنسية وتاريخها وآدابها، أميل إلى الجانب الفرنسي منه إلى جانب البلاد المنكوبة وأكثر تعاطفاً مع المحتل، فإذا بالتقرير يقرع بالسلطات ويفند مقالاتهم ويصف الغياهب التي ألمت بالمدينة والسكان من جراء القصف، على عكس مظنة السلطات الفرنسية، ولذا عُزل الأتاسي فوراً وصدر القرار بالقبض عليه، إلا أنه استطاع الهرب من حماة إلى حمص بمساعدة المرحوم الشريف نورس أفندي الكيلاني[4]، وتوارى بعد ذلك عن الأنظار لمدة غير قصيرة إلى أن عين رئيساً لديوان المجلس التأسيسي للكتلة الوطنية التي ترأسها عم المترجم، فخامة الرئيس هاشم بك الأتاسي، وذلك في عام 1928[5]

الأتاسي والمجلس النيابي:

ولما استقلت سوريا عن الفرنسيين انتخب السيد فيضي الأتاسي نائباً عن مدينة حمص في المجلس النيابي مرات عديدة فمثل أهلها في انتخابات أعوام 1947 و1949 و1954 و1961[6]، فكان سادس النواب الأتاسيين في التاريخ السوري الحديث، وكثيراً ما شارك العلامة أقاربه من آل الأتاسي مقاعد المجلس.  ولما قام مجلس عام 1949 التأسيسي بوضع الدستور الجديد كان الأتاسي أحد المشتركين في ذلك الحدث، ثم انقلب ذلك المجلس التأسيسي مجلساً نيابياً.

ولما انفك حزب الكتلة الوطنية، ذلك الذي تزعمه عمه، كبير الوطنيين، هاشم الأتاسي، شارك العلامة الأتاسي وابن عمه الدكتور عدنان الأتاسي وآخرون من وجهاء الأتاسي في تأسيس حزب الشعب مع السيدين رشدي الكيخيا وناظم القدسي، ووقف هؤلاء في وجه الحزب الوطني بزعامة القوتلي كما مر معنا وأصبح الأتاسي من أركان الحزب وزعمائه.  وكان فيضي الأتاسي خير ساعد لعمه هاشم الأتاسي، يعضده ويعينه في سياسته.  وقد كان لبعض مواقفه التي مالت في اتجاه المملكة العراقية والعائلة الهاشمية أثراً في تشكل خصوم له، ولكن وجهات نظره سرعان ما كانت تجد طريقها إلى التغلغل والإنتشار، حتى أدت بعض خطبه العاصفة، والتي كان يلقيها في مجلس الوزراء والمجلس النيابي، إلى تقديم بعض رؤساء الحكومة استقالاتهم.  هذا، وقد استطاع أن يسخّر تمكنه من ملكات اللغة العربية وأن يعبدها في إيصال أفكاره إلى الجهات المختلفة. 


السيد فيضي الأتاسي يلتقي بملك العراق فيصل الثاني بن غازي الهاشمي، وإلى يمين الأتاسي الوزير والنائب الشعبي أحمد قنبر ويرى رئيس الأركان السوري وفيق نظام الدين في أقصى اليمين

وفي تاريخ حياته النيابي اشترك العلامة الأتاسي في كثير من نشاطات المجلس ولجناته، فكان أحد أعضاء لجنة الشؤون السياسية والتي ضمت بالإضافة إليه في وقت من الأوقات عشرين عضواً كان منهم عبداللطيف اليونس وإحسان الجابري (وكان رئيس اللجنة) ومعروف الدواليبي وغيرهم من زعماء المجلس النيابي المرموقين[7]، وشارك في وفود قامت بها اللجنة إلى بلاد عربية كالعراق والأردن لزيارة حكامها وأعضاء مجالس نيابتها.  كما انتمى العلامة الأتاسي للجنة الإقتصاد عندما شغل منصب النائب في الأعوام بين 1961م و1963م، والتي كان يرأسها الأستاذ أسعد الكوراني، وقد تم لهذه اللجنة أن درست مواضيع كثيرة تتعلق باقتصاد البلاد وأن نفذت مشاريع عديدة[8]، وفي المجلس الذي انتخب عام 1961م كذلك انتخب الأتاسي رئيساً للجنة الشؤون الخارجية[9].

وفي أواخر آذار (مارس) وأوائل نيسان (إبريل) عام 1948م مثّل العلامة الأتاسي بلاده في المؤتمر البرلماني العالمي الذي انعقد في مدينة نيس الفرنسية وقد كان نائباً آنذاك[10]، ثم اختارته بلاده رئيساً للوفد البرلماني السوري ثانية في عام 1962 ليمثلها في اجتماع الدول ذات النظام البرلماني المنعقد في البرازيل من 22 تشرين الأول (أكتوبر) إلى الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر)، وهناك ألقى على الملأ خطبة بلغة فرنسية عذبة فأعجب لها الحاضرون[11]

الأتاسي والمجلس الوزاري:

تولى فيضي الأتاسي وزارات كثيرة في تاريخ حياته السياسي الحافل حتى بلغ عددها خمس عشرة وزارة أنيطت به في إحدى عشرة حكومة، وقد قل أن تمتع غيره بحقائب وزارية بهذا التنوع والكثرة.  إذ أصبح وزيراً للمعارف في إيلول عام 1941م في حكومة حسن الحكيم في عهد الرئيس الشيخ تاج الدين الحسني[12]، ثم عين لنفس الوزارة في نيسان عام 1942م[13] في حكومة حسني البرازي، ثم وزيراً للعدل والمعارف والشؤوون الإجتماعية في 25 آذار 1943م في حكومة السيد عطا الأيوبي والذي ترأس الدولة بالإضافة إلى المجلس الوزاري[14]، ثم وزيراً للمعارف والصحة والشؤون الإجتماعية في 17 نيسان 1949 في حكومة حسني الزعيم والذي كان متولياً لمهام رئاسة الدولة كذلك[15]، ثم وزيراً للإقتصاد الوطني في 15 آب 1949 في حكومة عمه هاشم الأتاسي الإنتقالية والتي تشكلت إثر إنقلاب الحناوي على الزعيم[16]، ثم وزيراً للدفاع والإقتصاد الوطني في 24 كانون الأول 1949 في حكومة السيد ناظم القدسي في عهد الرئيس هاشم الأتاسي[17]، ثم وزيراً للعدل في 27 كانون الأول من نفس العام في حكومة خالد العظم[18]، ثم سمي وزيراً للداخلية في 23 آذار 1951م في حكومة القدسي[19]، ثم للخارجية في آب 1951م في حكومة حسن الحكيم[20]، ثم وزيراً للخارجية في غرة آذار 1954 في حكومة صبري العسلي في العهد الرئاسي الرابع لهاشم الأتاسي[21]، وأخيراً عُيين وزيراً للخارجية في 29 تشرين الأول 1954 في حكومة فارس الخوري[22].

وقد كان للعلامة الأتاسي صولة وجولة في المجلس الوزاري، يشهد له معاصروه بقوة أسلوبه وتميزه، فكان يلقي خطباً مفوهة أمام الوزراء والنواب ويدلي بآرائه للصحف فيؤثر في السياسة ويضفي عليها طابعه، وله في ذلك مفارقات ومواقف يذكرها المؤرخون والمعاصرون، ومن ذلك كتاب استقالته الشهير من وزارة خالد العظم، والذي أبى إلا أن يستفرد بالسياسة الخارجية لنفسه دون مشاركة باقي وزرائه فيها، وفي ذلك يقول اليونس، وهو نائب سابق وأمين سر المجلس النيابي:

"وبينما كان خالد العظم في القاهرة أرسل له فيضي الأتاسي برقياً استقالته، وقد جاء فيها: [أتقدم إليكم بكتاب استقالتي ولو في غيابكم، لأني لا أعرف متى تنتهي الروحات والغدوات والدُلّج، وركوب متون الأجواء واللّجج!]، ولفيضي الأتاسي أسلوب فريد بالتعابير والألفاظ، يتميز به على سواه، وقد كان يتعمده للإثارة والتّندر"، انتهت مقالة اليونس[23].

ومن ذلك أيضاً اختلافه، عندما كان وزيراً للخارجية، مع رئيس الوزراء، حسن الحكيم،، لما أبدى الأخير موافقته على إحداث قيادة حليفة مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، فقال له الأتاسي: لكل امرء من اسمه نصيب إلا أنت، فلا أنت بالحسن ولا بالحكيم![24] وصرح بذلك للصحف، وإن دل هذا على شيء إنما يدل على جرأته السياسية والأدبية وقدرته اللغوية التي طوّعها لإبداء آرائه ولفت أنظار الشعب السوري إلى ما كان يجري في مجالس الحكومة من أعمال سياسية لا يرضاها الشعب.  وقد اشتهرت أقوال الأتاسي هذه وتناقلتها الألسن في البلاد حتى أصبح الناس يتطلعون شوقاً إلى تعليقاته وخطبه، وقد لقب لذكائه ودهائه وحنكته السياسية وصموده في وجه الحاقدين "بثعلب سوريا"[25].

وقد اشترك العلامة الأتاسي مرات عديدة في وفود إلى بلاد عربية بصفته أحد أعضاء المجلس الوزاري السوري، ففي 23 آذار من عام 1949م كان الأتاسي أحد أعضاء الوفد السوري إلى الجامعة العربية، والذي ضم بالإضافة إليه السيد معروف الدواليبي وخالد العظم، رئيس المجلس آنها[26]


فيضي الأتاسي مع جمال عبدالناصر وشمس بدران

كما أن العلامة الأتاسي مثّل سوريا بصفته وزير خارجيتها في وفد ترأسه الأستاذ العلامة فارس الخوري، رئيس مجلس الوزراء السوري آنذاك، وكان ذلك في اجتماع لزعماء الدول العربية في القاهرة في 22 كانون الثاني (يناير) عام 1955م، والذي عقد لبحث قضية "حلف بغداد"، وقد توافد إلى العاصمة المصرية الصلح من لبنان، وتوفيق أبو الهدى من الأردن، والأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود عن المملكة العربية السعودية.  وفي نهاية الإجتماعات اختير الأتاسي في وفد إلى بغداد ليجتمع بنوري السعيد لنقاش ذلك الحلف، ثم مثل الأتاسي سوريا ثانية في القاهرة في شباط (فبراير) من العام ذاته لمتابعة بحث حلف بغداد[27].

وبالإضافة إلى تولي الأتاسي هذه الوزارات المختلفة فإنه سُمّي رئيساً للوزراء عام 1949م،  ففي آذارمن ذلك العام قام الزعيم حسني الزعيم بالإنقلاب الأول على الرئيس القوتلي، ثم أصدر الزعيم مرسوماً على إثره في 14 نيسان 1949م بتعيين فيضي الأتاسي رئيساً للمجلس الوزاري، وقبل الأتاسي بمهمة تشكيل الوزارة الجديدة دفعاً للحرج عن البلاد وحتى لا تبق بأيد العسكريين وحدهم يتحكمون بها.  ولكن تشكيل هذه الوزارة لم يتم لأن الأحزاب السياسية كانت متخوفة من العمل مع صاحب الإنقلاب الجديد، وبالأخص أنه كان الإنقلاب الأول من نوعه في تاريخ سوريا الحديث، إذ لم يسبق للجيش أن سيطر على مقاليد السلطة من قبل، ومن جانب آخر توالت طلبات حسني الزعيم على الأتاسي أن يترك له الاستئثار بوزارات الدفاع والداخلية والخارجية، فلما اعترض الأتاسي على ذلك قام حسني الزعيم بتشكيل الوزارة بنفسه[28].


فيضي بك الأتاسي مع الملك حسين الهاشمي ملك الأردن، وفي الصورة من اليسار رئيس الوزراء صلاح الدين البيطار، الدكتور عدنان الأتاسي، النائب فرزت المملوك، فيضي الأتاسي، الملك حسين، السيد النائب إحسان الجابري، رئيس المجلس البرلماني محمد العايش. 

هذا، والجدير بالذكر ومناسبة الحديث عن حياة العلامة الأتاسي الوزارية أن زوار المتحف الحربي بدمشق، والذي مقره أثناء كتابة هذا البحث هو التكية السليمانية والبناء التابع لها، يجدون عرضاً لصور وزراء الدفاع على مر التاريخ السوري، ومن بينها صورة للمترجم، عليه رحمة الله، وذلك لتولي الأتاسي تلك الوزارة عام 1949م كما ذكر.

الأتاسي رئيساً لبلدية حمص ورئيساً لمنظمة الهلال الأحمر بحمص:

كما أن الأتاسي تولى رئاسة مجلس بلدية حمص مدة غير يسيرة من عام 1931 إلى عام 1945م[29] بعد ابن عمه السيد محمد بن ابراهيم بن محمد الثاني الأتاسي، بالإضافة إلى مراكزه الوزارية والنيابية، فكان رابع من تولى هذا المنصب من الأسرة الأتاسية.  وعلى عهده شهدت المدينة انتعاشاً في نواحيها العمرانية والثقافية والتربوية، ومن أعماله أثناء رئاسته للبلدية نذكر أنه قام بجر المياه من محلة الجديدة بالمصافي على بعد كيلومترين وقد بلغت نفقات جرها وتوزيعها 260 ألف ليرة، وأمر بغرس 2500 شجرة في الطرقات العامة، ومن ناحية العمران فقد بنى بناية الروضة وست بنايات أخرى في الثكنة العسكرية القديمة، وتم على عهده بناء فندق كبير باسم رغدان بمؤازرة الهندسة البلدية، وانشاء حديقة وبحرة في محلة باب السوق، وإقامة ساعة شمسية في حديقة الروضة، وفتح شارع ابن عوف، وشارع جديد من كنيسة السريان حتى الحميدية، وانشاء أحياء جديدة قرب المحطة، كرم الشامي، ومحلة القرابيس، وتوسيع عدة شوارع داخل المدينة، وتزفيت الطرقات وإنارتها، وإنارة الحدائق كافة بالكهرباء، وتعزيز مصلحة الاطفاء والمجارير، وشراء سيارات جديدة للاطفاء وإقامة 136 مأخذ ماء لأجل الاطفائية، وتجهيز المسلخ البلدي بالمنافخ الكهربائية الحديثة، وانشاء مستودع للمواد الملتهبة على الفن الحديث، وغيرها من منشئات عمرانية وأعمال خيرية جاءت على البلد بالنفع الجليل[30].

وبالإضافة إلى ذلك كان الأتاسي من المؤسسين لفرع محافظة حمص من منظمة الهلال الأحمر السوري حينما اجتمع رهط من رجالات حمص عام 1946م لهذا الغرض، وانتخب أول رئيس لفرع حمص ذلك العام وحتى عام 1949م.  ويجدر بالذكر أنه قد توالى على رئاسة الفرع آخرون من آل الأتاسي وهم الدكتور شوقي الأتاسي والسيد خلوصي الأتاسي فيما بعد[31].  هذا، وقد ترأس الأتاسي في أواخر الأربعينات وفد الهلال الأحمر السوري إلى افريقيا ممثلاً بلاده في وفد ضم أيضاً الدكتور يحيى الشماع وغيرهما[32].  وفي عام 2000 أصدرت منظمة الهلال الأحمر بحمص شكراً لعائلة المرحوم فيضي الأتاسي لوضعه اللبنة الأولى لذلك الفرع في إطار إصدارها لكتاب "منظمة الهلال الأحمر العربي السوري فرع حمص: خمسون عاماً من البذل والعطاء"، و كتاب الشكر موجود لدي.

الأتاسي رائداً للأدب السياسي والصحافة الناقدة:

وقد أنشأ الأستاذ فيضي الأتاسي جريدة "السوري الجديد" في حمص بعد أن اشترى حقوقها من الوزير السابق توفيق الشامي عام 1948م[33]، وكانت صحيفة صغيرة فحولها إلى إحدى أكثر الصحف انتشاراً، وتولى هو التعليق على السياسة المعاصرة بأسلوبه البليغ وكلماته النافذة، فكان لهذه الجريدة أن انتشرت انتشاراً شديداً في أنحاء البلاد وخارجها حتى أن نسخها كانت تنفذ في الصباح المبكر من شدة الطلب، وقد يبلغ سعر النسخة الواحدة في بعض الأيام السبعين ليرة، ولم يكن هذا المبلغ باليسير في تلك الأيام[34].  وأخذت الجريدة تسرد الأخبار السياسية كما كانت تحدث وتكشف الملاباسات التي كانت تقع من صانعي القرار السوري.

ولم تفتر همة العلامة الأتاسي في إصدار جريدته معبراً فيها عن قريحته وحتى بعد وقوع إنقلاب أديب الشيشكلي الأول في 19 كانون الأول عام 1949م والذي أحكم قبضته على السلطة لاغياً الحياة الديمقراطية والدستورية، ومسكتاً الأصوات المنددة بحكمه الحديدي بالقبض على صاحبيها ومنعهم من إبداء آرائهم.  وفي الوقت الذي اضطرت فيه وسائل الإعلام أن توائم سياسة الشيشكلي بعد أن أغلق دور النشر التي تحدت سلطته، استمرت جريدة السوري الجديد في أدائها للحق ونشرها للأراء المعارضة للحكم المستبد، وقد دعمها في ذلك زعيم سوريا الأكبر، هاشم الأتاسي، والذي كان محبوباً لدى جمهور البلاد من جميع فئات الشعب.  وبذلك أصبحت جريدة فيضي الأتاسي الوحيدة المناوئة لسلطة الشيشكلي، ولم يجرؤ هذا الأخير على منعها.  ولشدة الطلب على الصحيفة بلغ سعر العدد على عهد الشيشكلي مائة ليرة مقارنة بالليرات الخمس التي بدأ بها تسعير الجريدة[35].

وفي كانون الأول عام 1953م نشرت الجريدة أنباء المظاهرات التي قام بها الطلاب في حلب في اعتراضهم على مسرحية عرضت على خشبة المدرسة الأمريكية كانت قد قللت من شأن العرب، ونقلت الصحيفة أنباء جرح السلطات للأساتذة والطلاب المتظاهرين، واعتقال المحامين الذين تصدوا للسلطات.  وكان لهذه الأخبار، والتي ما كان لها أن تأتي إلى حيز الوجود دون جرأة "السوري الجديد" وصاحبها الأتاسي، أن أغضبت الأهالي وأدت إلى مزيد من المظاهرات في حمص وحماة ودمشق، وهذه بدورها أدت إلى مزيد من الإعتقالات لأساتذة الجامعات والسياسيين.  ثم انتشرت شرارة الغضب الذي بدأه مقال الأتاسي إلى باقي أنحاء سوريا[36]، ولم تنته هذه الحوادث إلا بسقوط الشيشكلي في 25 شباط عام 1954، بعد شهرين من ظهور ذلك العدد من "السوري الجديد".

الأتاسي ومعاناته في سبيل سياسته:

كأسلافه كان للأتاسي حظ من الإعتقال والسجن، وكان ذلك في سبيل الحفاظ على حرية الرأي ودعم حق التعدد السياسي، وقد مر علينا آنفاً قرار السلطات الفرنسية المحتلة القبض عليه لما ندد بتقريره إلى الأمم المتحدة بأفاعيلها عام 1928، إلا أن الأتاسي استطاع تلافي الإعتقال بالإختباء عن الأنظار.  وفي عام 1949 وافق الأتاسي على منصب وزارة المعارف والصحة والشؤون الإجتماعية التي عهد إليه بها صاحب الإنقلاب الأول، حسني الزعيم، إلا أنه لما رأى الزعيم يرنو إلى الإستفراد بالحكم والعمل على تحكيم سيطرة الجيش، وكذلك ابتعاده عن سياسية التقرب من الحكم الهاشمي في العراق استقال الأتاسي معترضاً، فما كان من الزعيم إلا أن اعتقله ومعه ناظم القدسي ورشدي الكيخيا وميشيل عفلق[37]، ولم يطل الأمر بالزعيم حتى وقع عليه انقلاب الحناوي في آب (أغسطس) فأعدم الزعيم ورئيس وزرائه البرازي، ثم عقد اجتماع في دار الأركان لبحث الموقف وتشكيل الحكومة الجديدة الانتقالية حضره زعماء البلاد كهاشم بك الأتاسي، وفيضي الأتاسي، وفارس الخوري، ومصطفى برمدا، ورشدي الكيخيا، وناظم القدسي، ومنير العجلاني، وصلاح البيطار، وسامي كبارة، وزكي الخطيب، والأمير حسن الأطرش، ومعروف الدواليبي، وأكرم الحوراني، والأمير فاعور، وعبدالقادر الأسود، وهاني السباعي، وحسن الحكيم، وعبدالرحمن العظم، وأحمد قنبر، وعبدالوهاب حومد، وميشيل عفلق، وصبحي العمري، وفهمي المحايري، ومحمود الشقفة، وعيسى السرياني، ومحمد السراج، وفريد أرسلانيان، ومحمد محمود دياب، ومحمد المفلح، ولطيف غنيمة، وتباحث هؤلاء بأمر الدولة، ثم عقدوا أمرهم على تأليف لجنة تتولة دراسة حال البلاد وتضع خطة لإعادة الحكم الدستوري، فاختير هاشم بك الأتاسي، وفيضي الأتاسي، وفارس الخوري، وناظم القدسي، ورشدي الكيخيا، ومصطفى برمدا، وسامي كبارة ونبيه العظمة، وحسن الأطرش، وميشيل عفلق أعضاءً لهذه اللجنة، وقامت اللجنة بالنظر في شؤون الدولة وقررت تكليف هاشم بك الأتاسي بتأليف وزارة مؤقته لإعادة الحياة الدستورية إلى البلاد، دخل فيها المترجم وزيرا للاقتصاد[38].

ثم وقع انقلاب الشيشكلي بعد انتخاب هاشم بك رئيسا للجمهورية في كانون الأول عام 1949، وفي الرابع من تموز عام 1953م اجتمع المعارضون لحكم الشيشكلي في منزل هاشم الأتاسي، ومن هؤلاء زعماء الحزب الوطني وحزب الشعب وحزب البعث وزعماء جبل العرب وغيرهم، وكان المترجم أحد المؤتمرين، وأحد الموقعين على الميثاق الوطني الذي تقرر فيه عدم الإعتراف بنظام الشيشكلي ومقاطعة انتخاباته.  فأبدى الشيشكلي سياسة القمع وقام باعتقال الأتاسي وغيره من الزعماء والنواب والرؤساء، ومن هؤلاء كان عدنان الأتاسي، ورشدي الكيخيا، وصبري العسلي، والأمير حسن الأطرش، ومنصور الأطرش، وعلي البوظو، وعبدالوهاب حومد، وميشيل عفلق، وصلاح البيطار، وأكرم الحوراني، ومنير العجلاني، ورزق الله الأنطاكي، وغيرهم، فزج الشيشكلي بزعماء سوريا الأحرار هؤلاء السجن المزي في 24 كانون الثاني (يناير) عام 1954م[39]، ولكنه سرعان ما اضطر أن يترك الحكم إثر انقلاب العقيد فيصل الأتاسي في شباط (فبراير) من العام ذاته وقيام ثورة الجبل، وتم الإفراج عن المعتقلين.

وفي أواخر عام 1956م، وقد استتب للعسكريين التحكم بالدولة السورية، اتهم العلامة الأتاسي بالإشتراك بمؤامرة "حلف بغداد" والتي كان قد عقدته مملكة العراق الهاشمية بتدبير رئيس وزرائها، نوري السعيد، مع كل من بريطانيا وأمريكا وتركيا وإيران وباكستان، ودبر له الظالم السفاح عبدالحميد السراج تهمة محاولة الانقلاب، وأصدر العقيد عفيف البزري، وقد كان رئيس المحكمة العسكرية، قراراً باعتقال المترجم وابن عمه عدنان الأتاسي والسيد منير العجلاني وصبحي العمري وسامي كبارة واتهامهم بمحاولتهم ضم سوريا إلى الحلف وإخضاعها لسلطان العرش الهاشمي، وتم محاكمة الأتاسي غيابياً، والذي كان خارج البلاد، ثم برئت ساحته لعدم توفر الأدلة، وعاد الأتاسي إلى بلاده واشترك في التصويت للوحدة مع مصر[40].  وقد اضطر الأتاسي بعد ذلك إلى أن يلزم بيته وأسرته في حمص وقد ترصد له أعداء الحرية وناصروا الحكم التعسفي ومنعوه من مزاولة مهنته السياسية، وحتى عام 1961 حين تم انتخابه للمجلس النيابي للمرة الرابعة، دالاً حلى حب مواطنيه له ولسياسته النزيهة وزعامته الشريفة مهما نزلت به النوازل وحاك له المتؤامرون العقبات والإتهامات.

وفي 28 آذار عام 1962م زار الأتاسي سجن المزة مرة ثالثة بعد وقوع الانقلاب الثاني تالياً انقلاب الإنفصال، وقد كان هذا الإنقلاب بقيادة عبدالكريم النحلاوي، قائد الانقلاب الإنفصالي في 28 إيلول 1961م، واللواء عبدالكريم زهر الدين، إلا أن اجتماعاً في حمص لبعض قيادات الجيش في 28 آذار عام 1962م أبعدت الأول وجعلت من الثاني الآمر الناهي.  ولما سيطر العسكريون على زمام الأمور نحوا الرئيس ناظم القدسي وأخذوا يعتقلون السياسيين المدنيين، فوجد الأتاسي نفسه في السجن مع خالد العظم ومعروف الدواليبي ولطفي الحفار وصبري العسلي وأحمد قنبر ومحمد عابدين وعدنان القوتلي وغيرهم من نواب ووزراء، حتى أن رئيس البلاد نفسه، السيد ناظم القدسي، كان قد اعتقل وأودع سجن المزة.  ولكن الضباط سارعوا بالإفراج عن هؤلاء عندما قرروا إعادة القدسي إلى منصبه شرط أن يبدل حكومته بأخرى جديدة، وحصلوا على تواقيع المعتقلين بذلك في 13 نيسان من ذلك العام[41].

الأتاسي أديباً وشاعراً:

لم يكن الأتاسي يعمل قريحته الأدبية في أمور السياسة فحسب، بل كان من الشعراء الناظمين، له بذلك إقرار من شعراء عصرهم الأعظمين، إذا عُد أدباء البلاد كان فيهم من الصفوة، وفي شعره تمكن وتحكم وقوة، نظمه كاللؤلؤ في أبدع قلادة، لا يمل ناظرها من إعادة أو استزادة، ولا غرو، فهو سليل من كانوا للأدب في محل الريادة، استقامت لهم من فنون اللغة القيادة، فكانوا فيها من صولة إلىعزة وسيادة.

لقد كان للأتاسي صحبة مع كثير من شعراء بلاده وأدباء العرب بحكم ثقافته العربية وتمكنه من اللغة، ومن أشهر هؤلاء نذكر العلامة فارس الخوري، والشاعر الكبير بدوي الجبل[42]، والأديب المصري طه حسين، والأخير كان قد زار حمص في أواخر الأربعينات لإحياء ذكرى وفاة الشاعر العباسي أبي العلاء المعري، والذي كان قد مر على وفاته ألف عام، وحضر وليمة أقامها فيضي بك الأتاسي، رئيس بلدية حمص في ذاك الوقت، دعا إليها الأدباء والوجهاء في منزله، أحيى فيها الأدب والشعر[43]. وللأتاسي كثير من الأشعار.

[45].

أقوال المؤرخين فيه:

ترجم له فوزي أمين في كتاب "وجوه" فقال: "ابن بيت أبيه، إن المرحوم الشيخ طاهر الأتاسي، والده، كان علامة جيله في علوم الدين والأدب، من هذا البيت خرج فيضي الأتاسي إلى الناس أديباً مجيداً في اللغة العربية، ركب لججها كلها فكان الفارس المجلي، وحفظ الشعر العربي قديمه وجديده، وقد حار في قوته المتمكنة في اللغة الفرنسية وآدابها وبيانها أقطاب المفكرين الفرنسيين والأدباء.  ارستقراطي من بعيد، ديمقراطي من قريب، ومن الظلم له ولقلبه الصافي ألا يتعرف عليه مواطنوه التعرف الكامل القريب"[46]

وترجم له الأستاذ فائز سلامة بتوسع في كتابه "أعلام العرب في السياسة والأدب" في الثلاثينات من القرن العشرين وذلك قبل أن يتبوأ الأتاسي الوزارات وعضوية مجلس النواب ويصبح من أكبر الساسة العرب ولما كان لا يزال في شبابه ومطلع عمله السياسي، فكان مما قال: "فيضي بك الأتاسي.  صفاته وخواصه: شاب في ميعة الصبا، ممتلئ العضل قوة ونشاطاً، مديد القامة ملتف الأعضاء، كأنما صب لحمه في قالب صبا، متقن التحكيم بشكل هندسي، متانسب الأطراف، متسق القسمات.  من أشرف عوائل حمص، فإذا غاب عنه أصله دل عليه بذاته، كالشجرة تعرف من ثمرها، أو كالند يتضوع أريجه وإن تلاشى، بادي النبل في غير تعمّل ولا تكلف، إذا رأيته تكاد تحسبه واحداً من أبناء اللوردات أو من أرباب التشريفات في قصور ملوك انكلترا "جنتلمان" بالمعنى الصحيح، والأناقة طبيعية فيه، بل إنها تكاد تكون من المبادئ التي يدين بها ويعمل على تطبيقها في مناحي أعماله جميعاً.  رجيح العقل، واسع المدارك، يتكلم في كل موضوع كأنه على استعداد له من قبل فيجيد غاية الإجادة.  أديب كامل يتحاشى الأخطاء الكتابية في معاملاته الرسمية كافة ويعنى عناية خاصة باسلوبها وانشائها وتعيين مرمى تعابيرها وما ينتج عنها من عمل عاجلاً أو آجلاً، فإذا صدرت عنه في مقام البلدية فكأنها مرت على المجمع العلمي، ويحفظ أشعار العرب قديمها وحديثها.  يميل إلى التجدد في كل مظاهر الحياة، وإنما نعني بالتجدد الاتقان بما يتناسب مع ظروف المكان والزمان.  عمليّ، يكره أن يرجئ عمل يومه إلى غده، وربما انجز في يوم واحد ما يعجز سواه عن اتمامه في عشرة أيام، وهو حركة إصلاحية دائمة، وعمراني بطبيعته، يحب أن يرى ما حوله جديداً ضاحكاً".  وقال سلامة في موضع آخر من ترجمته: "آراء الناس فيه: شخصيته تحملك على احترام صاحبها لأول نظرة، فإذا ما تكلم أو تحدث إليك رأيت نفسك مسوقاً إلى احترامه ومحبته والاعجاب بذكائه، قوة عارضته، وسرعة خاطره، وتوقد ذهنه، وبهذه المزايا يصلح لأن يكون سياسياً لبقاً وهو لو عانى السياسة لكان للبلاد نصيب وافر من نجاحه في هذا المضمار[47]، وربما حسدت عليه حماة أختها حمص!...".  انتهى الكلام هنا لسلامة[48].  

وترجم له باسهاب المؤرخ عبدالغني العطري في كتابه "حديث العبقريات" تحت عنوان "فيضي الأتاسي: سياسي ووزير عملاق" فكان مما قال: "كان واحداً من المثقفين البارزين والأذكياء المرموقين، جمع بين عراقة الأسرة والعلم الواسع الغزير.  كان يتمتع بحب أبناء مدينته وتقديرهم الكبير له، تولى عدداً من الوزارات في مختلف العهود، وكلفه حسني الزعيم بتشكيل الوزارة، وما لبث أن عدل وشكلها بنفسه، ثم سجنه!!  شارك بتأسيس حزب الشعب المعارض وكان أحد أركانه، فاز بثقة حمص في جميع الدورات الانتخابية الي خاضها، وكان الفوز حليف القوائم التي ترأسها أيضاً.  عندما غاب فيضي الأتاسي عن مسرح الحياة السياسية خسرت حمص أحد رجالها الأوفياء وأحد سياسيها العمالقة".  وقال واصفاً إياه في مكان آخر من الترجمة: "وكان إلى جانب ذلك واسع الثقافة، عالماً بأسرار اللغة، شديد الحرص في معاملاته الرسمية على أن لا يشوبها خطأ لغوي أو عبارة ضعيفة السبك، إذا تحدث في أي موضوع أجاد وأبدع، وبرهن على سعة علمه واطلاعه، وتمنى سامعوه أن يزيدهم علماً ومعرفة من بحره الواسع.  كان يحفظ من الشعر قصائد ومقطوعات كاملة لشعراء من كبار القدامى والمحدثين، وكانت جلساته تضم على الدوام عدداً من الأدباء والعلماء والمثقفين.  كان فيضي الأتاسي يتمتع بحب واحترام أبناء مدينته، وقد منحته هذه المدينة ثقتها المطلقة، وأيدت ترشيحه في جميع الاتخابات النيابية التي خاضتها، كما صوتت لجميع القوائم التي رشحها.  وعندما غاب فيضي، ابن حمص البار، عن مسرح الحياة السياسية بحكم الظروف والطوارئ الجديدة خسرت حمص أحد وجوهاه الوضاءة وأحد رجالاتها المخلصين الأوفياء"[49].

وقال السيد الجندي في ترجمة والده العلامة طاهر الأتاسي: "وقد أنجب السيد فيضي الأتاسي الذي عهد إليه بمنصب الوزارة مرات عديدة وهو لوذعي ألمعي وأديب منشئ بليغ وخطيب مفوّه"[50].

وجاء ذكر الأتاسي وسيرته في عشرات المؤلفات على ألسنة العديد من المؤرخين والصحفيين والسياسيين في مذكراتهم، وترجم له بالإضافة إلى الذين ذكرناهم: قدامة في "معالم وأعلام"[51]، والبواب في "موسوعة أعلام سورية في القرن العشرين"[52]، والشيخاني وكاخيا في "معالم وأعلام من حمص الشام"[53]، وجورج فارس في "من هم في العالم العربي"[54]، وفي "من هو في سورية 1949"[55]، وفي "من هو في سورية 1951"[56]، و"موسوعة السياسة"، و [57]Who`s Who in the Arab World، و Political Dictionary of the Arab World by Shimoni[58]، وغيرها.

ويجدر الإشارة إلى أن والدة السيد فيضي الأتاسي كانت السيدة نفيسة بنت أحمد أفندي بن مفتي الديار الحمصية سعيد الأتاسي، وكانت زوجته هي السيدة فاطمة بنت أبي النصر أفندي بن مفتي الديار الحمصية خالد أفندي بن المفتي محمد الأتاسي، والدة جميع أولاده، وهي بدورها بنت السيدة نجلاء بنت العلامة محمود بن مفتي الديار الحمصية محمد الأتاسي، أما جدة المترجم لوالده في من آل السباعي كما تقدم.

اعتزل فيضي بن طاهر الأتاسي السياسة في منتصف الستينات وهو منها متمكن وعليها قادر، وقد كان لترويضها المثال النادر، وعاد إلى حمص فكان بين أسرته وأصدقائه، واستغل خلو الجو ولذة صفائه، فتفرغ لقراءة الكتب، وقد خط بقلمه على القصاصات بيوت شعر، لم يكتب لها أن تُجمع فتُطبع أو تُنشر.  قد أدركت جدي الأعلى المترجم وما زلت أذكره صغيراً لما كنا نذهب لزيارته في منزله بحمص أو كان يأتي لزيارة بيت جدي بدمشق، وطالما حادثني ولاعبني، وما أزال أذكره لما كان يجلس للقراءة فلا يصيبه الملل أو التعب، رحمه الله.  وظل الأتاسي في حمص يزور منازل أولاده ومضارب أسباطه وأحفاده، ويتمتع برؤية فلذات أكباده، حتى ذابت ثلوج جباله، وخف عن عيادة مساقط الحياة نفحُ إقباله، وقد أثر فيها بخيرة فِعاله، وتَوّجَها بإكليل نضاله، وأكثر فيها من صادق أعماله وأقواله، فتوفاه الله في تشرين الثاني عام 1982م، رحمه الله وأدخله خالد جنانه.