أصل الأسرة وتاريخها
مشاهير وأعلام الأسرة
مخطوطات و مستندات
الخط الزمني لآل الأتاسي
كتب و مراجع ذكرت آل الأتاسي
مساجد ارتبطت بآل الأتاسي
مسجد آل الأتاسي الجديد
أشعار
مجلس الأسرة الأتاسية
مكتبة الصور
شجرة العائلة
مواقع ذكرت آل الأتاسي
أخبار العائلة
منتدى آل الأتاسي
مدينة حمص
مواقع جديرة بالزيارة
مسؤولوا الموقع

أبو الفقراء الشيخ الفقيه المصلح المحسن السيد محمد عاطف بن مراد أفندي بن محمد سعيد الأتاسي

عضو مؤتمر العلماء الأول ومؤسس جمعية العلماء بحمص وعضو مجلس إدارتها

1293-1388 هجري =1887-1969م

الحاج محمد عاطف بن الشيخ مراد بن الشيخ سعيد الأتاسي، من أكبر وجهاء حمص وأشهر أعيانها، رجل تقي سري ورع عصامي ديّن جواد كريم ومحسن كبير، كان له شأن عظيم في حمص وسورية وله سمعة طيبة في الدول عربية.  ولد في حمص عام 1293 الهجري الموافق لعام 1887م[1]، وهو الابن الثالث لمراد أفندي بعد سعيد وعادل، وهؤلاء أشقاؤه من أم واحدة، ويليه اخوته لغير أمه السادة تقي وصالح وواصل، وقد عاشوا جميعاً في كنف والدهم إلى جانب العديد من أخوات وشقيقات، وورثوا عنه ما أمّن لهم من حياة سعيدة ورخاء نسبي لا بأس به بالنسبة للحالة العامة الاقتصادية في ذلك الآن.  ودرس الأتاسي على يد والده وأعمامه وأولاد عم أبيه العلماء شتى العلوم العربية والشرعية من فقه وتفسير وحاز منها نصيباً، واشتغل بتجارة القطن والأغنام ومنتجات المواشي وبإدارة أراض زراعية ورثها عن آبائه ووسع هو رقعتها وأضاف عليها بعمله الدؤوب الذي لم ينقطع عنه حتى توفاه الله وهو في العقد الثامن من عمره، وكان رجلاً ذا ثراء واسع وبسطة في العيش والمال مع سعة كف وكثرة بذل، وكان رحمه الله لباسه الجبة والطربوش يضع عليه لفة (عمامة) مزركشة، وهذه لفة التجار، ومع أنه كان فقيها فإنه لم يشتغل بتدريس العلم الشرعي ولم يشتهر به – كما كانت حال غالب الأتاسية الدارسين للعلم - إلا أنه كان شيخاً صالحاً تقياً عاملاً على خدمة أبناء دينه مطبقا لأحكام الشريعة الغراء، ومن رجال النهضة والإصلاح الديني والدنيوي، وكان ذا فضل عظيم على أهالي حمص، بل وعلى باقي بقاع الشام، فضل لا ينكره عليه أحد، ولا يزال إحسانه الجليل يذكره سكان حمص إلى اليوم[2]

الحاج عاطف الأتاسي العصامي رجل الاقتصاد والصناعة:

كان الحاج عاطف منذ أول شبابه يملك حساً تجارياً واقتصادياً متقدماً بالنسبة لأقرانه وأترابه، إذ لم يركن أبداً كغيره في ذلك الوقت إلى واردات زراعية هي تتعلق بهطول الأمطار وتقلب المواسم، بل استخدم حسه الفطري في مجالات التجارة والصناعة وتفوق في هذه المضامير وبزغ نجمه فيها حتى أطلقت عليه عامة البلاد لقب "ملك حمص".  كان الأتاسي من أكبر تجار الأغنام على مستوى سورية ولبنان وأكثرهم نجاحاً في المنطقة الوسطى السورية، فكان يستورد من العراق ما يكفي حاجات هذه المنطقة، ويصدر ما زاد عن استهلاك السكان إلى لبنان، كذلك كان من الرواد السوريين في تسويق الأقطان السورية التي ازدهرت في الخمسينات، ومن أكبر المساهمين في الصناعات السورية الناشئة كالاسمنت والزجاج والسكر والمصابغ الوطنية، وكان لنشاطه الصناعي والتجاري هذا أثر كبير على تطور هذه الصناعات في البلاد السورية وإيجاد فرص العمل والكسب التجاري لأبنائها[3].

وللحاج عاطف يرجع سبب انتعاش حمص اقتصادياً في وقت كانت البلاد تمر به بمحنة النضال ضد الجمعيات التركية العلمانية، ثم تعاني من مكائد الفرنسيين والانجليز، وتئن من وطأة الانقلابات والحروب، وبفضله وجد الكثير من سكان حمص فرصاً للعمل وكسب الرزق بعد أن سدت في وجوههم الأبواب.  كان الأتاسي من مؤسسي شركة الغزل والنسيج في حلب، وقد أسس كذلك شركة الغزل والنسيج في مدينة حمص، وأسس شركة المصابغ في حمص التي أصر على أن يكون موقعها تلك المدينة، وأنشأ الحاج عاطف الأتاسي شركة السكر في حمص والتي كادت أن تكون في غيرها من البلدان لولا عمله الدؤوب وإصراره، كما أن الأتاسي ترأس مجلس شركة اسمنت الرستن[4].

الحاج عاطف الأتاسي رجل السياسة والعمل الوطني:

وعلى مستوى السياسة كان الأتاسي من المحافظين غير المتزمتين، ومن أعمدة العائلة الأتاسية في حشد الجهود لدعم مرشحي الأسرة السياسيين من الشباب الصاعد آنذاك أمثال حلمي ومكرم وعدنان وفيضي الأتاسيين، فكان يعمل على تأمين مساندة الأنصار لهم ولحلفائهم السياسيين، ويستخدم شعبيته في التأثير على سير الانتخابات، ومع أنه لم يعان السياسة بتولي المناصب أو بترشيح نفسه للانتخابات[5]، إلا أنه كان من الوجوه السورية المعروفة على المستوى العربي، له باع طويل في التأثير على السياسة الداخلية والخارجية، وله صداقات وعلاقات كثيرة مع كبار الوطنيين ومع أعلام السياسة في سورية ولبنان ومصر وغيرها، ولا سيما مصطفى نحاس باشا، وكان الحاج عاطف من مؤازري الرئيس الجليل هاشم الأتاسي ومساندي سياسته الوطنية، ومن ذوي الكلمة المسموعة التي لا ترد في منطقة حمص كلها، ولو شاء لانتخبه سكان سورية الشمالية لأي منصب رامته نفسه، ولدعمه الأهالي ليتربع في أعلى المراكز، ولكنه كان يفضل العمل من وراء الكواليس، رافعاً على كتفه شباب آل الأتاسي المثابر وغيرهم من الوطنيين الكادحين لأجل بلادهم.  وكان للحاج عاطف قناق (منزول) يجتمع فيه الساسة والوطنيون ووجهاء المدينة وأعيانها وعلماؤها وكبار آل الأتاسي فتناقش فيه قضايا العصر وحالة البلاد وتؤخذ فيه القرارات الهامة.  وقد سميت الساحة العامة التي كان يطل المنزول عليها بساحة الحاج عاطف، ساحة معروفة في حمص لا تزال تحمل هذا الاسم[6].

بل كان الأتاسي موضع احترام كل الشخصيات في البلاد بجميع انتماءاتها، له هيبته عند الحكام والمسؤولين لا تصرف له كلمة ولا يرد له طلب، يروى أنه لما حضر أمين الحافظ رئيس الدولة -الذي كان آنها الآمر الناهي المتسلط في حكم البلاد- إلى مدينة حمص حدث أن اجتمع بالحاج عاطف الأتاسي، فوجه له الحاج عاطف الكلام محذرا: "يا أمين، لا يفقد ولدي راتب وظيفته في البلدية" فما كان من الحافظ إلا أن امتثل وقال له: "أمرك يا حاج عاطف"[7].  

عاطف الأتاسي رجل الدين والإصلاح والإحسان:

كان الحاج عاطف الأتاسي رجلاً ورعاً تقياً صالحاً ملتزماً بأحكام الشريعة الحنيفة التزاماً لا يشوبه شائب، لا سيما أحكام الزكاة والصدقات، وكان في تجارته كلها متمسكاً بفقه المعاملات لا يحيد عنه قدر شعرة، فكان أن وفقه الله في تجارته وفتح عليه أبواب المكاسب والرزق، وكان معروفاً بوصله للأرحام واشتهر بكرمه وإحسانه ومعونته للفقير والمحتاج، وكان بابه مفتوحاً دائماً للجميع، يلبي طلبات الصغير والكبير، ويسخر ثقله الاقتصادي لخدمة أبناء وطنه ودينه، رحمه الله.  وقد كان الحاج عاطف الأتاسي من المؤسسين الأوائل للجمعية الخيرية الإسلامية عام 1340 (1921م) والميتم الإسلامي في حمص والمدرسة التابعة لهما، والتي بدأ آل الأتاسي يلحقون بها أبناءهم تشجيعاً لباقي أهالي حمص (فمن الذين التحقوا بها جدي زياد الأتاسي).  بل كان رحمه الله من الذين نهضوا بأعباء تأمين ما يلزم لإكمال بناء المدرسة والميتم، وقد انتخب رحمه الله نائبا لرئيس الجمعية في الجلسة التأسيسية التي ترأسها نقيب الأشراف بحمص المحمية السيد حسن الرفاعي[8].

حدثني السيد غزوان بن رأفت مجج الأتاسي حفظه الله أن الحاج عاطف الأتاسي كان من حفظة القرآن الكريم، وكان يأتيه بعض المشايخ باستمرار للتدارس فيتلو عليه الحاج عاطف أجزاءا من القرآن الكريم عن ظهر غيب حتى لا ينساها.  ومجالسه في داره كانت مجالس علم تزخر بالعلماء الفضلاء.  وكان رحمه الله دؤوبا على خدمة المسلمين، حصل في أحد الأعوام أنه تعاقد مع مصر في لإرسال سفينة لنقل حجيج بيت الله إلى الحجاز الطاهر، وذهب الحاج عاطف بنفسه لمعاينتها فلما لم تعجبه حالة السفينة أرسلها أدراجها إلى مصر وأبرق إلى صديقه مصطفى باشا النحاس أن يرسل له بأحسن منها، ففعل النحاس ملبيا رغبة الأتاسي[9].

وفي رجب من عام 1357 من الهجرة (1938م) كان الشيخ عاطف من ضمن العلماء الذين مثلوا مدينة حمص في مؤتمر العلماء الأول الذي عقد بدمشق والذي توجه إليه مائة وخمسة من العلماء أتوه من جميع أنحاء بلاد الشام.  وقد تمخض هذا المؤتمر عن قرارت دعت إلى مقاومة الاستعمار ودعاياته المشوهة للإسلام، وتطبيق الشريعة الإسلامية في كافة المجالات، وتنصيب القضاة الشرعيين في المحاكم بدلاً من القضاة المدنيين، واستعمال اللغة العربية في جميع المعاملات الرسمية، والجهاد في فلسطين ومؤازرة شعبها بكافة الوسائل، وحماية الأوقاف الذرية، ونشر العلم الشرعي وإنشاء المدارس العلمية وتخريج العلماء والدعاة الإسلاميين، وغيره من القرارت المفيدة التي أتينا عليها بتفصيل أكبر في ترجمة الشيخ طاهر بن خالد الأتاسي الذي انتخب رئيساً للمؤتمر فراجع ترجمته[10].

وفي عام 1365 من الهجرة (1946م) اجتمع الشيخ عاطف الأتاسي مع جماعة من كبار علماء حمص في الجامع الكبير وتباحثوا أمور الأمة وما آل أمرها إليه من انحطاط وانتشار الجهل والمنكرات، وعقدوا أمرهم على تشكيل جمعية من العلماء لتدرأ عن أهالي حمص مخاوف الجهل وتقوم ببث العلم الشرعي بينهم وتقوم على تدريب علماء وخطباء ودعاة لينشروا العلم في القرى، وانتخب الأتاسي عضواً في الهيئة الإدارية لجمعية العلماء التي اشترط في أعضائها الخمسة عشر كونهم من علماء الدين، بينما انتخب ابن عمه العلامة توفيق الأتاسي مفتي حمص رئيساً للجمعية، وعكفت هذه الجمعية على تحقيق أهدافها الأخلاقية والعلمية والخيرية، وانظر قوانين الجمعية وأسماء أعضائها في ترجمة الشيخ توفيق الأتاسي، جزى الله مؤسسيها خير الجزاء[11].

وفي عام 1947م كان الأتاسي من مؤسسي بنك إنقاذ أراضي فلسطين مشاركاً فيه برأس ماله عدداً من كبار أعيان مصر وفلسطين والعراق منهم محمد علي علوبة باشا، وأحمد حلمي باشا، وعلي ماهر باشا، وحافظ عفيفي باشا، وشريف صبري باشا، وهدى هانم الشعراوي، والسيد جمال الحسيني، والسيد عبدالقادر باش أعيان العباسي، وكان الغرض من هذا البنك هو تدارك الأراضي التي بدأ اليهود الصهاينة بشرائها من عرب فلسطين أو الاستيلاء عليها وذلك بتسهيل الخدمات للعرب المزارعين في فلسطين وتقديم المعونات والقروض والخدمات حتى لا يتسلل اليأس إليهم أو ينقادوا لإغراء اليهود فيخسروا أراضيهم[12].

هذا الرجل الطاهر السيرة المصلح أفاد وحده بلاده وأهلها أكثر من جميع أولئك المتملقين الذين حاربوا الأسر الكبيرة بدعوى أنها أسر إقطاعية تستعبد العامة والفلاحين وما كانت كذلك، وأرادوا أن يخمدوا جذوة نجاحها ويقضوا على حب الناس لها، فرفعوا شعار الاشتراكية وأخذوا يعملون جاهدين على تأليب القلوب على رجالاتها حسداً وما نجحوا ولا فازوا، هذا الرجل الصالح العصامي المحسن كان يوزع من مادة السمن وحدها مما كانت تدر عليه أغنامه مئات العلب ذات العشرين كيلو على العائلات المحتاجة دون مقابل، وأكبر بها من معونة في تلك الأزمنة تسد الحاجات وتطعم الجياع، حتى جاءت التأميمات الجائرة في الستينات والسبعينات لتخطف منه باسم الاصلاح كل ما جناه في حياته، فكان يوم توفي لا يملك سوى البيت الذي يقيم فيه، وسمعته العطرة والذكر الطيب، ومع ذلك كان يدعم طوال حياته في حمص أسرا فقيرة ويسترها ويدفع عنها الحاجة ويرسل لها المال والطعام، حدثني السيد الدكتور غزوان بن رأفت مجج الأتاسي أنه يوم توفي الحاج عاطف الأتاسي إذا بجمع من النساء جئن على باب داره ورحن يبكينه ويندبنه ويقلن: "قد مات أبو الفقراء‍! قد مات أبو الفقراء!"، أحسن الله ثوابه.

عاش الأتاسي وفاق الثمانين عاماً في السن وما فتأ يعمل ويدير ما تبقى من يسير رزقه وأراضيه حتى يوم جاءه المنون عام 1969م، فانتقل إلى جوار ربه راضياً مطمئناً قرير العين بعد أن ترك في سورية بصمة لا تمحى وآثاراً لا تنسى، رحمه الله وأحسن عقابه وأجزل ثوابه في عليين.  هذا، وللأتاسي ترجمة مبسطة في كتاب "معالم وأعلام من حمص الشام" لم تفه حقه[13].  ويجدر بالذكر أنه كان متزوجاً من آل الدروبي من أعيان حمص[14].