|
المفكر العربي الكبير معالي الدكتور الوزير جمال بن صالح بن مراد بن محمد سعيد الأتاسي
وزير الإعلام
نشأته ودراسته:
ولد في حمص عام 1341 للهجرة (نيسان، 1922م) ودرس في مدارسها، ونشأ في وقت كانت أسرته تقوم بقيادة السوريين في نضالهم ضد الإنتداب الفرنسي على الصعيدين السياسي والثوري، فقد كان والده صالح الأتاسي يشجع الثورة ويدعمها ويسخر أملاكه وأراضيه ويجعلها محميات ومأوى للثوار. ورحل جمال الأتاسي إلى دمشق وأكمل دراسته الثانوية فيها، ثم انتمى لجامعة دمشق ودرس في كلية الطب وتخرج منها عام 1947م. ومن باريس حصل على الدكتوراة في الطب النفسي عام 1950م، وعاد إلى بلاده ليمارس مهنتين برع فيهما: الطب والسياسة، فعين طبيباً في وزارة الصحة ومستشفيات عدة[1].
كفاحه السياسي:
ولما كان الأتاسي طالباً في حمص كان على اتصال بالكتلة الوطنية التي تزعمها هاشم الأتاسي، وكذلك حزب "عصبة العمل القومي"، ثم دخل معترك السياسة في وقت مبكر وهو لا يزال طالباً في الجامعة السورية، فشارك في الحركة الطلابية وكان من مؤسسي رابطة عربية للطلاب العرب بجامعة دمشق في أوائل سنة 1943م، وتعرف على ميشيل عفلق وصلاح البيطار مؤسسي حزب البعث، واشترك معهما في التخطيط لمنهج السياسة القومية، وفي أواخر عام 1943 أصبح رئيساً للمنظمة الطلابية في حزب البعث وظل كذلك حتى تخرج عام 1947م. ويعد جمال الأتاسي من مؤسسي البعث الأوائل، بل إن شعار الحزب المعروف "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" إنما هو من وضع الأتاسي[2].
ولما قامت ثورة رشيد علي الكيلاني في العراق عام 1941م، كان الأتاسي أحد المشاركين فيها، فلما فشلت الثورة اعتقل وأدخل السجن، وهناك التقى به أكرم الحوراني، والذي كان مشتركاً في الثورة ذاتها، وتعرف الحوراني من خلال الأتاسي على حزب البعث[3].
ولما عقد المؤتمر التأسيسي لحزب البعث في عام 1947م ترأس اللجنة التحضيرية وكان أحد الذين وضعوا دستور الحزب الأول، وكاد أن يكون في مكانة قيادية إلا أنه اضطر للسفر إلى فرنسا لإكمال دراسته، ثم عاد سنة 1950 م فمارس الطب في حماة، وهنالك عمل على ضم حزبه لحزب الحوراني. وباشر الأتاسي في تولي مهام رفيعة فنال العضوية القيادية في المكتب السياسي لحزب البعث عام 1955م، ثم أصبح رئيساً للجنة التحضيرية للمؤتمر الإستثنائي الذي عقده الحزب عام 1956م، وتم انتخابه عضواً في القيادة القطرية المؤقتة والمكتب السياسي حتى أوائل شباط (فبراير) عام 1958م حينما قامت الوحدة وحل الرئيس عبدالناصر الأحزاب السياسية[4]. وقد كان الأتاسي قد كلف قبل قيام الوحدة من قبل أحمد عبدالكريم، رئيس الشعبة الثالثة في الجيش السوري، بالاشتراك مع عبدالكريم زهور ورياض المالكي ونخلة كلاس وعبدالله الريماوي وعبدالله عبدالدايم من أعضاء حزب البعث الإشتراكي بوضع كتاب حول "الدولة الإتحادية العربية" كنموذج مدروس يتبع من الحكومة وتقام الوحدة على أساسه، إلا أن الوحدة قامت قبل الفراغ من الكتاب[5]، ولا أدري إن كان الكتاب قد أتم وخرج إلى حيز الوجود أم لا.
وفي أواخر إيلول (سبتمبر) من عام 1961م قام الإنفصال، فعاد الأتاسي إلى عمله الحزبي وألف مع سامي الدروبي وعبدالكريم زهور جناحاً ذا صبغة اشتراكية مميزة[6]. وفي عام 1963م أصدر الرئيس ناظم القدسي مرسوماً بتشكيل لجنة خاصة لدراسة موضوع إعادة الوحدة وبحث أمورها والتهييء لها، فكان الأتاسي أحد الذين اختيروا لعضوية هذه اللجنة، وقد تكونت بالإضافة إليه من أسعد الكوراني، وأكرم الحوراني، وخالد العظم، وراتب الحسامي، ورشدي الكيخيا، وسعيد الغزي، وصلاح الدين البيطار، وعبدالوهاب حومد، وعصام العطار، ومحمد المبارك، ومنصور الأطرش، وهاني السباعي، وميشيل عفلق، وفرحان الجندلي، وأسعد هارون، وأمين نفوري، وجميل صليبا، وسعدالله المرعشي، وعبدالكريم الفياض، ووهيب غانم. واجتمعت هذه اللجنة لمناقشة الأمر الذي ألفت من أجله، إلا أن خلافاً دب بين أعضائها أدى إلى انهيار عملية التخطيط المقترحة، ولم تقم الوحدة بعد ذلك[7].
وبعد أن تم لحزب البعث استيلاءه على السلطة في 8 آذار (مارس) 1963م عين الأتاسي وزيراً للإعلام في وزارة صلاح البيطار، والتي كانت أول الوزارات المتشكلة بعد الإنفصال، ممتدة من 8 آذار 1963 وحتى 11 آيار 1963م، وكذلك عين عضواً في مجلس قيادة الثورة[8]. وقد كان ابن عمه لؤي الأتاسي وقتها رئيس المجلس الوطني لقيادة الثورة، متولياً مهمات رئيس الدولة. ولما كان الأتاسيان من الناصريين الذين يتوقعون إعادة الوحدة بين مصر وسوريا، وكان قد تبين أن بعض أعضاء الحزب يحولون دون ذلك، استقال المترجم من وزارته ومناصبه في حزب البعث ولم يعد إليها، وكذلك فعل رفاقه الدروبي وزهور[9].
وفي عام 1964 كان جمال الأتاسي أحد المشاركين في المؤتمر التأسيسي لحزب الإتحاد الإشتراكي العربي وقد عين عضواً في المكتب السياسي في الداخل، فرئيساً للأمانة العامة في هذا المكتب عام 1965م، فأميناً عاماً للإتحاد الإشتراكي العربي في عام 1968م لما حلت الأمانة العامة في المكتب الخارجي، وركز اهتمامه تجاه الوحدة العربية وتزعم الناصرية السورية. واعتقل الأتاسي في أواخر الستينات ودخل السجن، ثم خرج منه بوقوع بانقلاب عام 1970م، ودعي إلى الاشتراك في الجبهة الوطنية التقدمية الحاكمة فكان من واضعي ميثاقها، وأصبح عضواً في القيادة المركزية لهذه الجبهة بين عامي 1971-1973م، ولكنه سرعان ما تركها وحمل لواء المعارضة في سورية حتى وفاته، كما انشق عن حزب الاتحاد الاشتراكي العربي عام 1973م في مؤتمره الخامس، فتولى منصب أمين عام حزب الاشتراكي العربي الديمقراطي إلى أن توفاه الله عام 2000م[10].
وكان الأتاسي نشطاً في المؤتمرات السياسية على الصعيد السوري والعربي والعالمي، فبالإضافة إلى مؤتمرات حزب الاتحاد الاشتراكي العربي التي شارك في تنظيمها دعي الأتاسي لحضور المؤتمر الثقافي الإفريقي عام 1967، ثم دعاه الرئيس عبدالناصر لمقابلته في الاسكندرية بعد ذلك المؤتمر لنقاش أوضاع تلك الفترة، وكرر زيارته إلى مصر حيث التقى بالسادات وهيكل عام 1970م[11].
وفي أواخر السبعينات انتخب الأتاسي أميناً عاماً "للتجمع الوطني الديمقراطي" الذي تألف من أحزاب عديدة بما فيها حزبه وظل أمينه إلى أن وافته منيته، بالإضافة إلى كونه أميناً عاماً لحزب "الاشتراكي العربي الديمقراطي"، وظل نشيطاً في انتاجه الفكري والسياسي حتى تعرض للاحتجاز مراراً[12].
وكان للأتاسي في السنوات العشر التي سبقت وفاته نشاطاً ملحوظاً في الاتجاه الوحدوي العربي، فقد تقلد عضوية الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي بين عامي 1993-1996م، وانتخب كذلك عضواً في لجنة التنسيق التابعة للمؤتمر القومي العربي الإسلامي[13].
أعماله الكتابية ومؤلفاته:
نشط الأتاسي بنشر أفكاره فكان لمقالاته السياسية في جريدة "البعث" بين عامي 1954 و1958م (عندما قامت الوحدة) وقع كبير وتأثير، ثم ترأس تحرير جريدة "الجماهير" و"الجريدة" أثناء الوحدة والتي لقت اهتماماً من الكتّاب السوريين والمصريين، وحلل في مقالاته الأنظمة في العراق والإتحاد السوفييتي وتنبأ بفشل الشيوعية وعارض الماركسية في أعماله. وبعد الإنفصال عاد الأتاسي إلى جريدة البعث ينشر فيها أراءه السياسية التي نالت إعجاب المفكرين، وكان أيضاً مشاركاً في كتابة مقالات مجلة "الفكر السياسي" مع ثلاثيه، زهور والدروبي، والصادرة على شكل كتاب منذ الإنفصال وحتى حلول الثورة البعثية عام 1963. وقد تعرض الأتاسي في مقالاته للقيادات البعثية التي كان معارضاً لها وجلب له هذا الإعتقال أحياناً[14].
ومن الكتب التي صدرت له وجدت:
1) "حول القومية والإشتراكية"-المطبعة العالمية، القاهرة، 1957. وهو كتاب ألفه مشاركة مع بعض زعماء البعث: ميشيل عفلق، وأكرم الحوراني، ومنيف الرزاز، وفيه وضع فيه هؤلاء الزعماء نظريتهم في الإشتراكية وبيان مذهبهم في البعث[15].
2) "في الفكر السياسي"-دار دمشق، دمشق-1963م، ألفه مشاركة مع ياسين الحافظ، الياس مرقص، وجيل مارتيليه.
3) "إطلالة على التجربة الثورية لجمال عبدالناصر وعلى فكره الإستراتيجي والتاريخي" –معهد الانماء العربي، بيروت-1981م.
4) "جمال عبدالناصر والتجربة الثورية: إطلالة على فكره الإستتراتيجي والتاريخي" –دار المستقبل العربي، القاهرة-1983م.
5) "النظام العالمي الجديد"-بيروت-1991م[16].
6) "الاشتراكية بين ماضيها ومستقبلها"[17].
كما أنه عمل على ترجمة عدة كتب إلى العربية، منها:
1) "تفكير كارل ماركس: نقد الدين والفلسفة"-جان ايف كالفيز-دار اليقظة العربية، دمشق-1959م، ترجمه مشاركة مع الدكتور سامي الدروبي،[18].
2) "المذهب المادي والثورة"-جان بول سارتر-دار اليقظة العربية، دمشق-1960م، ترجمه مشاركة مع الدكتور سامي الدروبي، وقد بدأه الأتاسي بمقدمة نقدية[19].
3) "معذبوا الأرض Les Damnés de la Terre"-فرانتز فانون-دار الطليعة، بيروت-1963م، ترجمه مشاركة مع الدكتور سامي الدروبي، ثم طبع عام 1968م في دمشق (وزارة التربية) ليدرس للصف الثاني الثانوي، ثم عام 1970م بدمشق (وزارة التربية) ليدرس للصف الثالث الثانوي[20].
4) "مدخل إلى علم السياسة"-موريس دوفرجيه-دار دمشق، دمشق، ترجمه مشاركة مع الدكتور سامي الدروبي[21].
5) "تاريخ الإشتراكية الأوروبية"-إيلي هاليفي-ترجمة جمال الأتاسي-دار أطلس، دمشق[22].
هذا وقد كان الأتاسي بالاضافة إلى أعماله السياسية والكتابية طبيباً نفسانياً مشهوراً يمارس مهنته في دمشق، وقد ترأس مستشفى ابن سينا للأمراض النفسية أعواماً[23].
وفاته ومقولات الكتاب فيه:
وفي نهايات شهر آذار، وبالتحديد في الثلاثين منه، عام 2000 للميلاد، يوم الخميس، وقبل أن تتم كتابة هذا الكتاب، فاضت روح الدكتور جمال الأتاسي عن عمر قارب الثمانية والسبعين عاماً قضى أكثر من نصف قرن منها في نشاطه السياسي يكافح لنشر الثقافة الوطنية والقومية، وشيع جثمانه من مشفى الشامي إلى مدينته حمص يوم السبت في أول نيسان (ابريل) حيث صلي عليه في مسجد عمر ودفن في مقبرة آل الأتاسي، رحمه الله.
وقد نعت جرائد العالم العربي وفاته وأتت على سيرة حياته ومنجزاته، وكانت من هذه جريدة الحياة[24]، وصحيفة السفير، وقد قالت الأخيرة في خبر نعيه على لسان أحد كتابها:
"رحل الرجل البريء الذي استطاع أن يحافظ على براءة القصد على امتداد عمره، والرجل الذي أخذته البداهة قبل الثقافة إلى الموقف المبدئي الصحيح، والرجل الذي لم تفسده السياسة، خلقاً ومنهجاً، برغم خوضه غمارها من مواقع مختلفة على امتداد نصف قرن أو يزيد. رحل الدكتور جمال الأتاسي: الصورة المكتملة لمناضل عربي. رحل الرجل الذي أصر على الربط الدائم بين الفكرة والممارسة، بين الهدف والأداة، فتعب طوال عمره وأتعب كل الذين عرفوه ورافقوه أو تتلمذوا عليه أو "انتسبوا" إليه. رحل الرجل الذي كان يأخذه الولاء للفكرة، للعقيدة، للمبدأ، إلى معارضة الحاكم ورفض المنصب الرسمي أو الخروج السريع منه عند أول اكتشاف للمفارقة بل للافتراق بين الوسيلة والغاية. كنا نقصده، نحن الذين وصلنا إليه متأخرين، في عيادته (وهو المتخصص في الطب النفسي) مقابل مبنى مجلس الوزراء في دمشق، فنجد النظافة بل الطهارة. نشكو أو ننقد أو نعترض فلا يتهاوى هدوء الرجل ذي الملامح الطيبة، ولا يخفف من تفاؤله القدري بأن الخطأ إلى سقوط وبأن الصح سيتكامل وسوف يسود، ودائماً انطلاقاً من الفكر إلى الممارسة. وكنا ننقطع عنه فترات، تبعدنا عنه مشاغل الحياة وهمومها، فإذا ما التقينا به مجدداً وجدناه الصخرة التي عليها تبنى العقيدة، وعندها تنكسر المصاعب والإشكالات، ونعود من لدنه وقد ازددنا حماسة لما ننوي عمله أو المضي فيه. فالرجل الذي كبر حتى تجاوز الحزبية، وسما حتى تجاوز الخصومة، شكل باستمرار مصدراً للأمل في غد أفضل برغم أن تاريخه كان قد غدا خلفه. وداعاً جمال الأتاسي: أيها العربي المصفى، البهي كنجمة بزغت في سماء حمص ثم شع نورها الخافت ولكن غير المنقطع على امتداد هذا الأفق العربي الفسيح ما بين الرباط وصنعاء، وبينهما قلب العروبة النابض: دمشق"[25].
ونعى التجمع الوطني الديمقراطي وحزب الاشتراكي العربي الديمقراطي أمينهما العام ونعتوه "بالمفكر القومي البارز والقائد السياسي المناضل، وأحد أعلام الأمة العربية والعاملين لتحقيق أهدافها الكبرى ومشروعها الحضاري"[26].
ومن صحف العالم العربي التي أتت على ذكر نبأ وفاته وترجمت له جريدة الشرق الأوسط، فقال فيها الأستاذ رزوق الغاوي في مقالة بعنوان "المفكر السياسي جمال الأتاسي: ظاهرة تستحق الاهتمام":
"بحق يمكن القول أن المفكر والسياسي السوري المخضرم جمال الأتاسي، الذي رحل عنا قبل أيام، يمثل عبر تاريخه النضالي الطويل، والمتعدد المراحل، تجربة وطنية قومية فريدة تستحق البحث والدراسة إذا أريد التوصل إلى استنتاجات وأسس وقواعد حول ما يجب أن يكون عليه النضال السياسي والاجتماعي في دولة ما أو وطن ما. الراحل جمال الأتاسي، الذي أعطت عائلته الحمصية العريقة سورية ثلاثة رؤساء لها هم: هاشم الأتاسي ونور الدين الأتاسي ولؤي الأتاسي، كان خلال مراحل حياته النضالية والسياسية أنموذجاً للمناضل النقي المتعفف عن كل المظاهر البراقة للسلطة أمام موقف وجداني فرضته عليه معتقداته الوطنية مثلما فرضه انتماؤه القومي. تمثل نقاؤه وانحيازه المطلق إلى "أفكاره المترابطة مع ممارسته السياسية" في جميع مراحل حياته النضالية، منذ أن تطوع في سلك الدرك السوري مع مجموعة من طلبة جامعة دمشق عام 1945م لمقارعة الفرنسيين، إلى دخوله السجن في أواخر الستينات ثم خروجه منه مع قيام الحركة التصحيحية عام 1970م، إلى مشاركته في صياغة ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية في سورية عام 1972م، وإلى حين اتخاذ موقف خاص به بالابتعاد عن هذه الجبهة في شهر ابريل (نيسان) من عام 1973م. وعلى الرغم من قيادته للتحالف الديمقراطي الذي حمل اسم "التجمع الوطني الديمقراطي" فإنه كان معارضاً من طراز مختلف، وليس كمعظم المعارضين، كان محترماً من خصومه السياسيين مثلما كان هؤلاء محترمين من قبله" إلى أن قال: "وعلى ضوء تجربته النضالية الطويلة وحياته السياسية الزاخرة بالصدامات والمنازعات حيناً، والتحالفات والصداقات حيناً آخر، والاخفاقات والاحباطات أحياناً، تحول جمال الأتاسي في أواخر حياته السياسية التي قاربت ثلثي القرن، ليكون داعية للديمقراطية ومناضلاً في سبيلها، خاصة أنه بات على يقين بأن الديمقراطية هي الحلقة الأساسية في الإصلاح والتطور على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. بقي أن نقول أن ذكرى المرء تبقى مرهونة بما تركه من فعل وأثر، وما تركه من الراحل جمال الأتاسي عن ثمانية وثمانين عاماً من أثر كبير على الساحة السياسية السورية منذ مطلع الأربعينات يستحق التوقف عند محطاته الأساسية وجعل هذه المحطات موضوع بحث ودراسة وقراءة معمقة، ولعل في ذلك ما بفيد"[27].
والمقالة طويلة اقتبسنا بعضها، وفي اليوم التالي نعاه الكاتب غسان الإمام في الشرق الأوسط كذلك بمقالة أخرى مطولة تحت عنوان: "جمال الأتاسي: أزمة المثقف مع السلطة والسياسة"[28].
وبعد وفاته ظهر في دمشق منتدى فكري يحمل اسمه تكريماً للمفكر العربي الكبير وتخليداً لذكراه، وذكرت هذا المنتدى صحف العالم العربي، ومنها جريدة السفير التي جاء في الخبر التي حملته:
"ومنتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي هو الثالث من نوعه في دمشق…إلا أنه يكتسب أهمية استثنائية لدلالات اسمه، وهو اسم سياسي سوري بارز عرف كمعارض ولكن من داخل سورية لا من خارجها. فكان الأتاسي الذي توفي في نيسان العام الماضي من أشهر رجالات السياسة في ستينات القرن الماضي في سورية حيث كان من الأعضاء المؤسسين في حزب البعث ومن ثم أشهر المنشقين عنه عندما أسس منتدى التجمع الديمقراطي الذي ضم في فعالياته ثلاثة أحزاب لم تنتم للجبهة الوطنية التقدمية"[29].
[30]، والبواب في "موسوعة أعلام سورية في القرن العشرين"[31]، ورياض في كتابه "حوار شامل مع الدكتور جمال الأتاسي عن الناصرية والناصرين" وغيرهم. وقد كان المترجم رحمه الله متزوجاً من السيدة نوار بنت محمد النعسان بن سعيد بن مراد بن سعيد الأتاسي، فأنجبت له بناته، أما والدته فكانت من آل رسلان كما جاء في الشجرة الوليدية.