|
جامع آل الأتاسي الجديد وحديقة هاشم الأتاسي
ويجدر بالذكر أن لآل الأتاسي مقابرهم الخاصة في مدينة حمص يقومون بدفن فقدائهم فيها. وكلما ضاقت مقبرة أنشأوا واحدة جديدة يتولونها برعايتهم، حتى بلغ عدد المقابر ثلاثاً. ثم أرادت بلدية حمص ردم المقبرة وتحويلها إلى منتزه عام، ولم يدركوا كم من التراث ينوون طمسه، فالكتابات والأشعار والتواريخ على هذه القبور لهي جزء من تاريخنا العريق، إخفاؤها عن الأنظار لا يليق، فإن نحن محينا معالم التاريخ بأيدينا وفرطنا برموزه بإرادتنا فأنّى لنا بمجد وقد محقنا ما خلفه السابقون؟
لذا تراءى لكبار الأسرة أنه لا بد من الحرص على حرمة موتاهم -ومن بين هؤلاء المدفونين كبار العلماء والصالحين والوطنيين وأعلام الوطن والأدب والدين- وأنه يندب الحفاظ على تربة أجدادهم مما تتعرض له الحدائق العامة من العبث والإهمال، فقرروا بناء مسجد في تلك الجبانة باسم جامع آل الأتاسي، مع مراعاة تعاليم الدين من حيث بناء المساجد بمحاذاة المدافن، وذلك من دون المساس بمستوى لحد القبور. وأخيراً صدرت الموافقة من البلدية على بناء المسجد، وأصدر الرئيس حافظ الأسد قبل موته بأشهر قليلة أمراً بتسمية الحديقة التي ستقام حول المسجد، والتي تزيد مساحتها عن ثلاثين ألف متر مربع، باسم الرئيس الجليل هاشم بك الأتاسي، عليه رحمة الله، وبوضع نصب تذكاري للرئيس الجليل. وتم درس المشروع ووضعت التصميمات على أساس العمارة الإسلامية القديمة ليتناسب ذلك الطابع المميز وتراث الأسرة الديني ومركزها التاريخي بالنسبة لمدينة حمص. وعرضت التصميمات على مهندسي وزارة الأوقاف للمصادقة عليها فقرر هؤلاء بعد رؤية التصميمات أن هذا المسجد سيكون أحد مسجدين يميزان مدينة حمص المحمية عن غيرها: مسجد خالد بن الوليد الشهير، ومسجد آل الأتاسي.
وتم تصميم المسجد بحيث يشغل كامل مساحة مقبرة الأسرة القديمة وهي بمساحة ألفين وثمانمائة متر مربع. سيستوعب حرم المسجد الرئيسي ثلاثة آلاف مصلي فوق 1800 متر مربع، خاصة لتأدية صلوات الجمعة والأعياد، وفي المسجد مصلى للنساء بمساحة 200 متر مربع، ومصلى للصلوات اليومية بمساحة 120 متر مربع. أما حديقة المسجد فمساحتها حوالي 17000 متر مربع. وفي المسجد ستقام قاعة مكتبة دينية سيحتفظ فيها ببعض المخطوطات والكتب القديمة التي بحوزة بعض أفراد الأسرة والتي توارثوها عن أجدادهم، ومدرسة لتحفيظ القرآن، وأروقة وباحات وممرات وصحن جامع مكشوف تتوسطه بركة.
نموذج مصغر لمسجد آل الأتاسي، والنموذج موجود في منزول (دار) آل الأأتاسي
وقد وزعت كلفة إنشاء المسجد، والتي بلغت المليون دولار (حوالي خمسين مليون ليرة سورية) على آل الأتاسي بحسب إقامتهم في سورية وفي البلاد العربية وفي أوروبا وفي الولايات المتحدة، واشترط أن يكون المتبرعون من آل الأتاسي فحسب، وكان المهندسون المعماريون الذين أشرفوا على تصميم المسجد كلهم من آل الأتاسي وعلى رأسهم الدكتور المهندس نوار بن شحود بن رفيق بن مصطفى بن قاسم العطاسي، وكذلك كان المهندسون المدنيون المشرفون على التطبيق ومنهم السيد المهندس أمين بن حقي بن أمين بن راغب بن أمين الأتاسي. وأشرف على جمع التبرعات لجنة قوامها السيد محمد خلوق بن محمد سري بن راغب بن أمين الأتاسي والسيد محمد خلوصي بن صالح بن مراد بن سعيد الأتاسي، كما أن عدداً من أصحاب الشهامة والنخوة قد تبرعوا بكل ما يستطيعون كالسيد محمد خلوق بن محمد سري الأتاسي ووالدته السيدة نياز بنت الشيخ ابراهيم الأتاسي، والسيد حيان بن سراج بن ابراهيم بن محمد الأتاسي، والسيد خلدون بن صالح بن مراد بن سعيد الأتاسي، وبذل بعض الأتاسي جهوداً جبارة للحصول على الموافقات اللازمة وخاصة السيد أحمد نشوان بن صدر الدين الأتاسي الذي كان يسعى للمشروع في دمشق. هذه الخطوة الحديثة العهد تأتي بمثابة تجديد الأمل في إيجاد وفرة من العلماء في الأسرة وفي إعادة التراث الديني الكبير إلى آل الأتاسي، ذلك التراث الذي فاق الأربعة قرون.