|
شيخ الإسلام ومفتي الأنام بحمص الشام السيد العلامة محمد أبو الفتح الثاني ابن المفتي عبدالستار الأتاسي
المفتي العاشر من آل الأتاسي
شيخ الإسلام ومفتي الأنام السيد محمد أبو الفتح بن عبدالستار أفندي الأتاسي، العالم العلامة، مفتي حمص وابن مفتيها، جد جد والدي، جد المحمدية من فروع السادة آل الأتاسي، قال فيه صاحب الحلية:
"الشيخ أبو الفتح ابن الشيخ عبدالستار أفندي بن الشيخ إبراهيم أفندي الأتاسي الحمصي: عالم مصره ونخبة أهل أوانه وعصره، ولد سنة ست عشرة بعد المائتين والألف، وأخذ العلوم عن والده المومى إليه، وكان جل اعتماده في الأخذ عليه، وكان رحمه الله له خلق جميل، وقلب عن الكمالات لا يزيغ ولا يميل، ولطافة مشهورة، وملاحظة لعواقب الأمور مأخوذة عنه ومأثورة، تولى منصب الإفتاء بحمص بعد عزل أخيه الأكبر الشيخ محمد سعيد أفندي، وكان له وظيفة التدريس في جامع سيدنا خالد ابن الوليد الصحابي الجليل، مع كونه غزير العلم، جيد الفهم، يغلب عليه الصواب في السؤال والجواب، توفي رحمه الله تعالى سنة ثلاثمائة وألف، ودفن في مقبرة حمص، وقبره معلوم مشهور يزار ويُتبرك به"[1]. انتهى ما أورده البيطار عن المترجم.
ونزل الأتاسي دمشق فأخذ عن أكابر علمائها فمن هؤلاء إمام الحنفية في عصره وأمين الفتوى في دمشق الشام العلامة الكبير محمد أمين ابن عابدين الحسيني[2] وغيره من كبار العلماء في هذا العصر.
وقد تولى العلامة الأتاسي الإفتاء في حمص قرابة الثلاثين عاماً، من عام 1270 للهجرة (1852م) وحتى وفاته، عام 1300 للهجرة (1882م)[3].
وبعد وفاة أخيه محمد سعيد انتقلت إليه عمادة آل الأتاسي بالإضافة إلى المنصب الديني، وأصبح زعيماً لحمص. وقد كان الأتاسي محترماً مقدراً ليس بين أبناء بلدته فحسب، بل وفي سائر البلاد، إذ ذاع صيته وعمّت شهرته الأطراف، وأدرك جلال قدره وعلو مكانته حكام الدولة، ومن ذلك أن الصدر الأعظم مدحت باشا نزل ضيفاً في منزل عميد الأسرة الأتاسية، المترجم، عندما زار حمص عام 1879م. وهذا دليل على معرفة الحكام بموقع الأتاسيين من الأهالي ومحبة السكان لهم. ومدحت باشا هذا غني عن التعريف، كان له باع طويل في إحداث التاريخ، إذ أنه لقب بخالع السلاطين لإقالته السلطانين عبدالعزيز ومراد، فكان لخليفتهما، السلطان عبدالحميد رحمه الله رحمة واسعة، أن ولاه على الشام وغيرها لإبعاده، ومدحت باشا هو الذي أوجد مجلس المبعوثان ومواده في الدستور[4].
وعلى يد العلامة محمد تخرج أفذاذ العلماء ودرس فطاحلة الشيوخ، ومن هؤلاء الشيخ سليمان هبة الله ابن أحمد بن سليمان الكيالي الرفاعي الأعرج المشهور جده أحمد "بالسواح الثاني"، وهو أحد أبرز شيوخ الطريقة الرفاعية الحريرية، الشاعر صاحب الإجازات والمصنفات العديدة المشهورة، والمتوفي في حمص عام 1333 للهجرة (1914م). وقد ذكر العالم السيد الشريف الكيالي شيوخه، ومن ضمنهم العلامة الأتاسي، ونقيب الأشراف يحيى الزهراوي، وغيرهما من الأشراف من آل الصافي والزعبي الكيلاني والسعدي الجباوي، وذلك في نهاية كتابه "الآلئ الدرية في مناقب رابعة العدوية"، والذي لا يزال مخطوطاً[5]. ومن الذين تلقوا العلم عن الأتاسي الشيخ العلامة سعيد الملوحي (1796-1871م) من مشاهير العلماء بحمص وخطيب المسجد النوري الكبير[6]، ومنهم ابن المترجم الشيخ خالد الأتاسي الذي تولى مقام الإفتاء بحمص كذلك، وقد روى الشيخ خالد عن والده الحديث بسنده، وهو عن والده الشيخ عبدالستار الأتاسي، وهو عن الشمس الكزبري[7].
وقد عثرت على بعض أبيات شعر في كتاب "حمص: درة مدن الشام" منسوبة للعلامة الأتاسي، وفي ذلك يقول المؤلف[8]: "وقد أرّخ مفتي حمص محمد الأتاسي لبناء حمام الصفا بعدة أبيات من الشعر على ما كان شائعاً في ذلك العصر بحساب أرقام الحروف بعد إسقاط ألفات الوصل. قال:
لسان حال هذا الحمام كم
ربي كما طهرت جسم داخلي
طهر فؤاده بتاريخ الصفا
تشدو لينجلي صدا القلوب
من الأذى بمائي المسكوب
من دنس الذنوب والعيوب
ويكون حساب التاريخ كما يلي: الصفا: 201، من: 90، دنس 114، الذنوب: 788، والعيوب: 124، مجموعها 1317 للهجرة" (1901م).
ومن المعلوم أن محمد الأتاسي كان قد توفي قبل ذلك العام بسبع عشرة سنة، وبذلك قد تكون هذه الأبيات لإبنه محمد الخالد، ولكنني أحببت قيدها هنا مراعاة لمن نسبت له الأبيات.