|
مسجد الزاوية
ومن هذه الجوامع مسجد الزاوية في حي الزاوية، وهو مسجد قديم كما تخبرنا الدرجات إلى مئذنته المبنية من الحجر الأسود البازلتي ومنبره الرخامي، وله حرم خارجي. ويبدو أن إمامة مسجد الزاوية والتدريس فيه كان على الفرع الأميني، فقد تولى إمامة المسجد الشيخ عاكف بن الشيخ أمين الأتاسي، ثم تولاه الشيخ عبدالفتاح بن الشيخ عارف بن أمين الأتاسي. وفي هذا المسجد قال الأستاذ محمود بن ياسين الفاخوري أن " من الأسر الشهيرة حوله آل الأتاسي، وقد كانوا يتعهدون بالتدريس والإمامة والخطابة، وقد كان لهذا المسجد شأن في القرن الماضي، إذ كانت فيه المدرسة (الكتاب) الشرعية التي تخرج منها علماء آل الأتاسي، وقد كانوا يقصرون العلم على أنفسهم". ولعله يعني بذلك أنهم كانوا يهتمون بتدريس أبنائهم في هذا المسجد خاصة دون غيرهم، بينما كانت حلقات علمهم في غيره من المساجد تشمل جميع طلاب العلم على اختلاف طبقاتهم وأسرهم، إذ أننا نعلم أن علماءً وأعلاماً كثيرين من غير آل الأتاسي من مشاهير عصورهم تتلمذوا على أيدي علماء الأتاسيين كما سيتضح في باب التراجم، وكفاهم فخراً أن بعضاً من أكابر علماء العصور الإسلامية تلقوا العلم على السادة الأتاسية، ومن هؤلاء مفتي دمشق الشام وعالمها المشهور، السيد الشريف الحسيني محمد محب الدين بن أبي بكر العلواني الحموي، جد أسرة المحبي وسلف أشهر مؤرخي العصر العثماني، محمد الأمين المحبي، ومنهم محمد خليل المرادي الحسيني، مفتي الشام ونقيب أشرافها ورأس علمائها، وصاحب التاريخ المشهور "سلك الدرر" (المتوفي عام 1207 للهجرة=1794م)، ومنهم الشهيد الشيخ العلامة عبدالحميد الزهراوي الحسيني، أحد أكبر رواد النهضة العربية في أواخر العهد العثماني، ونائب حمص وحماة في مجلس المبعوثان (أعدم من قبل الأتراك عام 1916م)، ومنهم العلامة المحدث المؤرخ محمد راغب الطباخ صاحب التاريخ المشهور "إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء"، ومنهم الشيخ المصلح الإجتماعي الدكتور مصطفى السباعي الحمصي الحسني، الناظر العام للإخوان المسلمين في بلاد الشام ومؤسس الكلية الإسلامية بجامعة دمشق وعميدها والنائب البرلماني (توفى عام 1964م). ومن المتلقين على السادة الأتاسية شاعر بلاد الشام الشهير، السيد الشريف العباسي أمين الجندي، والذي قال فيه الحصني "أنه أخذ العلوم من علماء حمص وكان أكثر انتفاعه من السادة الأتاسيين العلماء الأعلام وكان يميل إليه ابراهيم باشا خديوي مصر لمدحه إياه". كما أن علماء الأسرة الأتاسية تتلمذوا بدورهم على أشهر علماء عصرهم في دمشق والقاهرة وحمص وحلب والقدس والأستانة كالمحدث الأكبر بدر الدين الحسني (المتوفي عام 1354 للهجرة، 1935م)، ومفتي الشام العلامة محمود الحمزاوي الحسيني، ومحمد عابدين الحسيني صاحب الحاشية المشهورة، ومحمد عبده المصلح الاجتماعي الكبير وغيرهم. وقد كان للأسرة الأتاسية علاقة صداقة متينة مع مشاهير علماء وقتهم كالشيخ عبدالغني النابلسي العمري الفاروقي القرشي، وهو من أشهر مفتي الشام وصدر العلماء في وقته (1050-1143 للهجرة=1641-1731م)، والشيخ مراد بن علي المرادي الحسيني رأس العلماء في دمشق (توفي 1132 للهجرة، 1719م)، وغيرهم.
وأصاب فضلاء آل الأتاسي مديحُ أكابر العلماء والشعراء، فمن هؤلاء على سبيل المثال العلامة الكبير مفتي دمشق الشام الأستاذ العارف عبدالغني بن اسماعيل النابلسي، وشاعر الشام السيد الشيخ محمد أمين أفندي الجندي العباسي، وشاعر حماة الكبير الشيخ الهلالي، وشاعر الشام شفيق جبري، وشاعر العاصي بدر الدين الحامد، والشاعر الكبير عمر أبو ريشة وغيرهم، كما أشاد بفضل أعلامهم أعاظم العلماء والدعاة والمصلحين كإمام الحنفية في عصره فخر الأنام وبركة الشام السيد الشريف محمد أمين ابن عابدين الحسيني صاحب الحاشية، والعلامة الكبير الشيخ عبدالرزاق البيطار، والشيخ الداعية الشهير محمد علي الطنطاوي رحمه الله، والدكتور الداعية الكبير المحقق مصطفى بن حسني السباعي رحمه الله، وغيرهم كثير.