|
رئيس هيئة المعارف القاضي العلامة الشاعر محمد نجم الدين بن محمود بن محمد الأتاسي
"النجم الأتاسي": من مشاعل العلم والمعرفة بحمص
عالم فاضل عامل مصلح، فقيه شاعر متفنن. ولد العلامة النجم الأتاسي في حمص عام 1284 للهجرة (1867م) على قول المؤرخ الزركلي في الأعلام، أما السيد الجندي فيجعل مولده أقدم: عام 1278 هجري (1859م) في أعلام الأدب والفن[1]، ونشأ في كنف علماء الأسرة، وتشربت نفسه من خصالهم وعلومهم، ونبغ كباقي أفراد جيله، وأصبح من علماء حمص المقصودين. وقد ترجم له الزركلي، مؤرخ العصر، في كتابه الشهير "الأعلام" فقال[2]:
"النجم الأتاسي: محمد (نجم الدين) بن محمود بن مفتي حمص محمد بن عبدالستار الأتاسي: شاعر متفقه، له عناية بالتربية والتعليم. ولد وتوفي بحمص، كان من أعضاء محكمة البداية فيها، ونهض بتأسيس المدرسة العلمية الإعدادية، وعين رئيساً لهيأة المعارف. جمع نظمه في ديوان، منه مقصورة جيدة أولها:
حدت أركاب المزن أنفاس الصبا | فرنحت أعطافها قضب الربى |
ومن قصائده كذلك تلك التي أرخ فيها لبناء السرايا الحمصي:
صبح السعادة قد توقد وانجلا | أم برج عزّ للعدالة أصّلا | |
أم ذاك بيت الحكم يشرف من سنا | عبدالحميد إمامنا ملك الملا | |
قد شاده الشهم البرازي ذو العلا | محمود باشا من حوى شرفا علا | |
أيّد أيا غوثاه في تاريخه | ملك الملا عبدالحميد الأفضلا |
وبتاريخ الحروف في البيت الأخير يتضح أن بناءها كان عام 1304 للهجرة (1887م)[3].
وكان العلامة الأتاسي أحد مشاعل المعرفة في المدينة، وأكثر أبنائها ثقافة وحباً لنشر العلم كما ذكر الزركلي، ففي كانون الأول من عام 1909م اجتمع بأعيان المدينة المتعلمين، ومثقفيها المعدودين، واتفقوا فيما بينهم أن ينهضوا بتأسيس مجلساً للمعارف تكون مهمته نشر الوعي العلمي والثقافة، وانتخب المجتمعون النجم الأتاسي رئيساً لمجلس المعارف، والذي ضم أيضاً ابن عمه توفيق بن نجيب بن أمين الأتاسي. ولكن الأتراك العلمانيين المسيطرين آنها على السلطة سرعان ما تنبهوا إلى هذا العمل، وسارعوا في الصدود في وجه ذلك المجلس لأنهم عرفوا أن بناء مواطنين واعين يشكل خطراً على سلطانهم، فحلّوا المجلس بعد سنة ونصف من إنشائه[4].
وفي حمص كان للأتاسي حلقات العلم الزاخرة بالطلاب، فممن أخذوا عنه الشيخ وصفي المسدي أحد أئمة حمص وعلمائها، والشيخ طيب الأتاسي مفتيها، والشيخ جميل مدور من أئمة حمص ومدرسيها، درس عليه هؤلاء وغيرهم من علماء حمص وقراها كتاب "ملتقى الأبحر" في أصول الفقه الحنفي[5]، وكان يفتح معه دروس العلم الشيخ عبدالفتاح بن عارف الأتاسي، والشيخ سعيد بلبل أحد شيوخ الطرق الصوفية بحمص[6].
ومن المترجمين للأتاسي كذلك الجندي في "أعلام الأدب والفن" فقال:
"الشاعر المرحوم نجم الدين الأتاسي: ولد المرحوم نجم الدين بن المرحوم محمود بن محمد بن عبدالستار الأتاسي بحمص سنة 1278 و1859 ودرس على أعلام عصره فكان عالماً وشاعراً مجيداً وقد فقدت أثاره الأدبية ومنظوماته وتوفي سنة 1933 ودفن في مقبرة أسرته بحمص وأنجب ولده الكبير المرحوم وجيه وقد مات في حياته وكان أستاذاً للتاريخ في مدرسة تجهيز حمص (يعني المرحوم وجيه) وله خدمات جلى في حقل العلم والثقافة، وعبدالستار وعبدالودود"[7].
وذكره الحصني في المنتخبات فقال: "ومن مشاهيرهم نجم الدين أفندي بن محمود أفندي من علماء حمص وأعيانها"[8]. وذكره أيضاً العلامة المؤرخ محمد جميل الشطي الدمشقي[9]، مفتي الحنابلة بدمشق الشام، رحمه الله العلام، وذلك في ترجمته لنفسه في كتابه الشهير أعيان دمشق، حيث أرسل له يمدحه ويشكره على تراجم أرسلها إليه المترجم من حمص عام 1324 من الهجرة فكان مما قال:
مولاي لولا كنت أول فاضل | لم تدر أهل الفضل بالتبيين | |
فإذا ضللنا في أكابر ديننا | فبك الهدى إذ أنت نجم الدين |
توفي العلامة الأتاسي عام 1352 للهجرة (1933م) كما أخبر الزركلي في الأعلام، بعد أن كان مشمراً للجهاد السواعد، ومقيماً للعلم قواعد، ومتبوئاً بين أهليه أسمى المقاعد.
وفي الشجرة الوليدية أن والدة الشيخ نجم الدين هي السيدة نفيسة بنت الشيخ أمين الأتاسي.